فلما حدثت بدعةُ الكلام والنظر على أساليب الفلاسفة والمشي وراء الخيالات العقلية، قالت المعتزلة وكثير من المتكلمين: إن جميع ما تلوناه من كتاب الله تعالى من إضافة الكلام إليه، وكذلك القول وما في معناهما من المناداة، والسؤال، كله تشبيه لله تعالى بخلقه، وذم له - عز وجل -، وقدح في ربوبيته، وكفر به، وإلحاد في أسمائه إلا أن يتأول على ما لا تساعد عليه قواعد التأويل، ولا تبقى معه جلالة صوادع التنزيل.
وسبحان الله أيكون أحدٌ أعرف بالله وأكره لما لا يليق به من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله وأصحابه وتابعيهم.
فكيف يسمعون ما ظاهره الكفر والإلحاد في أسماء الله والتشبيه له بخلقه، ولا ينبّهون على تأويله أحدًا من المتعلمين، ولا من المسلمين أجمعين.
والعلم الضروري يقتضي في كل ما شاع مثل هذا في أعصارهم، ولم يذكر أحدٌ منهم له تأويلاً البتة أنه على ظاهره على حسب ما يليق بجلال الله من غير تشبيه كعلم الله وقدرته، فإنهما صفتا كمال بالإجماع. ولو قلنا: إنهما كعلم الخلق وقدرتهم كان تشبيهًا قبيحًا، وكفرًا صريحًا، ومع ذلك فلا يجب تأويل ما ورد في الشرع من وصف الله تعالى بأنه عالم قادر، ونحو ذلك من الحي السميع البصير.
فتأمل هذه القاعدة التي ذكرتها لك فيما استفاض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفاضة متواترة شائعة، ولم يذكر له تأويل البتة، فإنها تميز لك الصحيح من العقائد من المبتدع الفاسد.