وقال: {وَالطُّورِ (١) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور:١ - ٣]، أو ليس الحبر والورق قبل ظهور الحروف المكتوبة لا يمنع من مسّه المحدثون، وإذا ظهرت الحروف المكتوبة صار {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:٧٩]، أليس هذا الكتاب الذي قال فيه صاحب الشريعة تنزيلا وتجليلا:«لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم»، أليس الله تعالى يقول في كتابه {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:١٢]، وقال في حق موسى {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}[الأعراف:١٤٥] أفترى من القوة تهوينها عند المكلفين، والازدراء بها عند المتخلفين، يزخرفون للعوام عبارة يتوقون بها إنكارهم، ويدفنون فيها معنى لو فهمه الناس لعجلوا بوارهم، ويقولون: تلاوة ومتلو وقراءة ومقروء، وكتابة ومكتوب، هذه الكتابة معلومة فأين المكتوب؟ وهذه التلاوة مسموعة فأين المتلو؟
يقولون: القرآن عندنا قديم قائم بذاته سبحانه، وإنما هي زخارف لبسوا بها ضلالتهم، وإلا فالقرآن مخلوق عندهم لا محالة، فقد انكشف للعلماء منهم هذه المقالة يقدِّمون رِجْلاً نحو الاعتزال فلا يتجاسرون، ويؤخِّرون أخرى نحو أصحاب الحديث ليستتروا فلا يتظاهرون.