للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله سبحانه خلق له، أحدثه وأضافه إلى نفسه كما تقول: عبد الله، وخلق الله، وفعل الله.

فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإِلزام لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها، وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل، فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان وخرقوا الإِجماع المنعقد بين الكافة، المسلم والكافر، وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنما يسمى ذلك كلاماً على المجاز لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم.

فمنهم من اقتصر على هذا القدر، ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد، فزاد فيه ما ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة من الكلام.

ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله سبحانه تجسيم، وإثبات اللغة فيه تشبيه ...

فألجأهم الضيق مما يدخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا: الأخرس متكلم، وكذلك الساكت والنائم، ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به، ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليست بأضداد الكلام.

وهذه مقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير ردّ عليه. ومن عُلم منه خرق إجماع الكافة، ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب ويقمع" (١).


(١) رسالة الحافظ أبي نصر السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص: ١١٥ - ١٢٢).

<<  <   >  >>