للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تبين لهم فساد قول من يقول: القرآن مخلوق، ولا يجعل لله تعالى كلاماً قائماً بنفسه، بل يجعل كلامه ما خلقه في غيره، وعرفوا أنّ الكلام لا يكون مفعولاً منفصلاً عن المتكلّم، ولا يتصف الموصوف بما هو منفصل عنه، بل إذا خلق الله شيئاً من الصفات والأفعال بمحل كان ذلك صفة لذلك المحل، لا لله، ... وهذا التقرير مما اتفق عليه القائلون بأن القرآن غير مخلوق من جميع الطوائف مثل أهل الحديث والسنة، ومثل الكرامية والكلابية وغيرهم ...

ولكن منشأ اضطراب الفريقين [أي: المعتزلة والأشاعرة] اشتراكهما في أنه لا يقوم به ما يكون بإرادته وقدرته، فلزم هؤلاء إذا جعلوه يتكلم بإرادته وقدرته واختياره أن يكون كلامه مخلوقاً منفصلاً عنه، ولزم هؤلاء إذا جعلوه غير مخلوق أن لا يكون قادراً على الكلام، ولا يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا يتكلم بما يشاء ... فاحتاجوا حينئذ أن يثبتوا ما لا يكون مقدوراً مراداً، قالوا: والحروف المنظومة والأصوات لا تكون إلا مقدورة مرادة، فأثبتوا معنى واحداً، لم يمكنهم إثبات معان متعددة، خوفاً من إثبات ما لا نهاية له، فاحتاجوا أن يقولوا (معنى واحداً) فقالوا القول الذي لزمته تلك اللوازم التي عظم فيها نكير جمهور المسلمين، بل جمهور العقلاء عليهم" (١).


(١) درء تعارض العقل والنق ل (٢/ ١١١ - ١١٤).

<<  <   >  >>