ولا يغفل عاقل عن مذهب السلف وظهور القول في حدوث الحروف؛ فإنّ له شأناً، وهم يسلِّمون الفرق بين القراءة والمقروء، والكتابة والمكتوب، ويحكمون بأنّ القراءة التي هي صفتنا وفعلنا غير المقروء الذي ليس هو صفة لنا ولا فعلنا، غير أن المقروء بالقراءة قصص وأخبار وأحكام وأوامر، وليس المقروء من قصة آدم وإبليس هو بعينه المقروء من قصة موسى وفرعون، وليس أحكام الشرائع الماضية هي بعينها أحكام الشرائع الخاتمة، فلا بد إذاً من كلمات تصدر من كلمة، وترد على كلمة، ولا بد من حروف تتركب منها الكلمات، وتلك الحروف لا تشبه حروفنا، وتلك الكلمات لا تشبه كلامنا كما ورد في حق موسى - عليه السلام - سمع كلام الله كجر السلاسل، وكما قال المصطفى صلوات الله عليه في الوحي «أحياناً يأتيني كصلصلة الجرس، وهو أشد عليّ، ثم يفصم عني وقد وعيت ما قال والله أعلم" (١).
(١) نهاية الإقدام في علم الكلام (ص: ٣١٣) وما بعدها.