لي بجلاء استقلال شخصية أبي داود عن الداني وعن كتابه:«المقنع»، بل ثبت لي تفوق أبي داود على شيخه الداني في علم هجاء المصاحف، وإن كان استفاد منه.
ولم أجد بينهما تشابها لا في المنهج، ولا في العرض، ولا في الاختيار والترجيح، فشتان ما بين «التنزيل» و «المقنع»، إذ هناك أمور كثيرة يوجد فيها اختلاف واضح، وتباين كبير بين الكتابين. فتباينا في المنهج، وتباينا في التعليل، وتباينا في الطريقة في وصف هجاء الكلمات، وتباينا في غزارة المادة العلمية، وتباينا من حيث الشمول والاستقصاء. فالداني اعتمد على ما رواه عن شيوخه، واقتصر عليه، ولم يزد على ذلك.
وأبو داود أكثر من تتبع ظواهر هجاء جميع مصاحف الأمصار بالوصف والعد والتقطيع والوزن، فكان وصفه دقيقا لم يرق إليه وصف آخر، الأمر الذي خلا منه كتاب المقنع.
ولقد برزت شخصية المؤلف أبي داود في اختياراته وترجيحاته، بل خالف شيخه أبا عمرو الداني في كثير من المواضع.
وإذا كان الخرّاز وصف في نظمه «مورد الظمآن» كتاب «المقنع» لأبي عمرو الداني بالأجلّ، فإن كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» أجل من الأجل. وهذا يؤخذ من صريح قوله: