وقد صارت أصلا لما كتب بعد ذلك من مصاحف إلى يومنا هذا.
ولارتباط القراءة بخط المصاحف تتبع القراء هجاء المصاحف. قال أبو عبيد القاسم بن سلّام (ت ٢٢٤ هـ): «وإنما نرى القراء عرضوا القراءة على أهل المعرفة بها وتمسكوا بما علموا منها مخافة أن يزيغوا عما بين اللوحين بزيادة أو نقصان، ولهذا تركوا سائر القراءات التي تخالف الكتاب ولم يلتفتوا إلى مذاهب العربية فيها إذا خالف ذلك خط المصحف، وإن كانت العربية أظهر بيانا من الخط، ورأوا تتبع حروف المصاحف وحفظها عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها»(١).
وحينئذ لاحظ علماء القراءات هيئة هذا الرسم، وخاصة تلك الحروف التي تميزت بزيادة أو حذف أو بدل فوصفوها رواية بالعد والوزن والوصف الدقيق، وترجمة عملية بنسخ المصاحف على وفقها، ومطابقة لها.
ومن هؤلاء المبرّزين في هجاء المصاحف أبو داود سليمان بن نجاح المتوفى سنة ٤٩٦ هـ روى الرسم علما وعملا بتأملاته ومشاهداته للمصاحف في كتابه الكبير المسمى ب «التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه» ضمنه إلى جانب هجاء المصاحف كثيرا من علوم القرآن، إلا أن ضخامته حدّت من انتشاره وتداوله لفتور الهمم، وميل الناس إلى الاختصار، فسأله طلاب العلم أن يختصره، فأجابهم إلى ذلك، ففصل الرسم وحده في كتاب، واقتصر عليه، وسماه «المختصر» وهو كتابنا
هذا الذي بين أيدينا، والذي قمت بتحقيقه وخدمته وإخراجه، بعد أن ظل قرونا من الزمن حبيسا في المكتبات الخطية، فكاد يندرس ويندثر.