الذي لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقولهم في الإجماع، لكن الأصولي القادر على الاستنباط إذا عرف أدلة المسألة وأحاط بأكثرها اعتد بقوله فيها، والمحدث إذا عرف اللغة وأصول الفقه اعتد بقوله، والفقيه إذا عرف أصول الفقه واللغة وأدلة المسألة موضع البحث اعتد بقوله فيها. وهذا مبني على أن الاجتهاد يتجزأ فيكون العالم مجتهدا في بعض أبواب الفقه ومسائله دون غيرها. كما سيأتي في باب الاجتهاد.
وهذا يجعلنا نجهل أهل الاجتهاد في كل مسألة، فلا نجزم بحصول الإجماع فيها، مع وجود مخالف وإن لم نره من أهل الاجتهاد، فالإجماع مع وجود مخالف لا يمكن الاحتجاج به على الغير؛ لأن الخصم ربما عد المخالف من أهل الاجتهاد فلا يتحقق الإجماع عنده.
[هل يشترط لتحقق الإجماع انقراض العصر]
المراد بانقراض العصر موت العلماء المجمعين على حكم الواقعة قبل رجوعهم عن رأيهم. وليس المراد موت جميع علماء العصر، بل موت الذين أفتوا في المسألة.
هذا الأمر اشترطه بعض العلماء واحتجوا عليه بأن العالم لا يمكن منعه من الرجوع عن رأي رآه ثم تبين له خطؤه، وبأن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:«اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، وأنا الآن أرى بيعهن»(أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي بسند صحيح) فرجع عن رأي اتفق عليه.
والصحيح أن انقراض العصر ليس شرطا؛ لأن الأمة إذا اتفقت على حكم فهي معصومة من الخطأ؛ لحديث:«لا تجتمع أمتي على ضلالة» وما جاء في معناه من الأحاديث، فإذا حصل الإجماع وجب أن يكون على صواب وإذا كان