وهذا كلُّه إذا لم يكنْ خالف نصاً لا معارضَ له، فإنْ خالف نصّاً صحيحاً من كتابٍ أو سنةٍ لا معارضَ له، أو خالف إجماعاً صريحاً صحيحاً فيجبُ عليه إخبارُ مَن أفتاه بالفتوى الخطأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَن أُفتي فتوىً من غير ثبتٍ فإنما إثمُه على مَن أفتاه»(أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة) فإذا كان الإثم سيلحق المفتي وجب إبلاغ المستفتي بالخطأ حتى لا يزيد الإثم.
ولفعل ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه -، حيث أفتى رجلاً بجواز نكاح أم الزوجة إذا لم يدخلْ بها، فأخبره الصحابة بتحريم ذلك، فرجع إلى الحيّ الذي فيه المستفتي وسأل عنه وأخبره بخطإ الفتوى.
ولأن الفتوى المخالفةَ لنصٍّ لا معارضَ له خطأٌ يقيناً، ولا عبرةَ بالظن البيِّن خطؤُه، أما في الاجتهاد فإنه لا يجزمُ بخطئه، وإنما يغلبُ على ظنه ذلك، لذا لم يجبْ عليه الإبلاغُ عند الأكثر.
٤ـ لا يُنكَرُ تغيُّرُ الفتوى بتغيُّر الأزمان:
نصَّ العزُّ ابنُ عبد السلام، والقَرافيّ، وابن القيم، وغيرُهم على أن الحكمَ أو الفتوى قد يتغيّران في المسألة الواحدة لأجل تغيُّر الأعراف والعادات والأزمان، ونحو ذلك مما له أثرٌ في الحكم.
وقد توسّع في القاعدة بعض المتأخِّرين، ولم يقصروها على الأحكام التي ترجعُ إلى العرف والعادة.
وأنكرها بعضُ العلماء لمَّا فَهم منها العمومَ لجميع الأحكام، أو لما في ظاهرها من الاحتمال الباطل الذي يُوهمُ بأن الحكمَ في المسألة الواحدة بعينها