للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأقوال]

قال جمهور العلماء: من حصل الشروط العامة له أنْ يجتهدََ في المسألة المستقلّة، إذا أحاط بأدلّتها، وقدر على النظر فيها، ولو لم يستطع الاجتهاد في مسألة أخرى لقصوره عن الإحاطة بأدلتها.

واستدلوا على ذلك بأن أكثرَ العلماء كانوا يتوقّفون في بعض المسائل، مما يدلُّ على أنهم لم يُحيطوا بأدلّتها، ويُفتون في غيرها لإحاطتهم بأدلّتها.

وذهب بعضُ العلماء إلى أن الاجتهادَ لا يتجزأُ، ومَن لم يُحطْ بأدلّة الفقه على الوجه الذي ذكرناه في شروط الاجتهاد ليس له أنْ يجتهدَ في بابٍ أو مسألةٍ.

وهذا القولُ منقولٌ عن أبي حنيفةَ، ولم ينصَّ عليه، ولكنهم أخذوه من قوله في تعريف الفقيه: «مَن له مَلَكَةُ الاستنباطِ في الكلّ»، فأخذوا من قوله: (الكلّ) أنه إذا قدِرَ على الاستنباط في البعض لا يُعدُّ فقيهاً مجتهداً، وقالوا: إن مَلَكَةَ الاجتهاد لا تتجزأُ، فمَن حصلتْ له فهو المجتهدُ، ومَن لا فلا.

واختار هذا القولَ الشوكانيُّ في «إرشاد الفحول».

ودليلُه: أن مسائلَ الفقه متّصلٌ بعضُها ببعضٍ كسلسلةٍ متّصلةِ الحلَقات، ولا يُمكن أنْ يُحيطَ بأدلّة مسألةٍ ما لم يُحطْ بأدلّة المسائل الأخرى.

وذهب بعضُ العلماء إلى أنه يتجزأُ بالنسبة للأبواب لا بالنسبة للمسائل في الباب الواحد.

ودليلهم: أن المسائلَ في الباب الواحد مداركُها متّصلٌ بعضُها ببعضٍ، وأما الأبوابُ فليستْ كذلك.

والذي يظهر لي: أنه يجوز أنْ يتجزأَ الاجتهادُ، على المعنى الذي ذكرته سابقاً، بالنسبة للمسائل التي تكلَّم فيها الفقهاءُ السابقون دون النوازل. وذلك

<<  <   >  >>