ما رأوه في عصرهم من التعصُّب الممقوت الذي يصدُّ عن الحقّ، ويفرِّقُ الأمةَ، حتى أصبح الدينُ كأنه مللٌ شتّى. ومن مظاهره: قولُ بعضِ أتباع المذاهب ببطلان الصلاة خلفَ مَن يُخالفُ المذهبَ؛ لاحتمال أنه فعلَ ناقضاً من نواقض الوضوء التي لا يراها إمامُه ناقضةً، وهي عند إمام المقتدي به ناقضةٌ.
ولا شكّ أن مثلَ هذا مخالفٌ لما عليه المحقّقون من أتباع المذاهب كافّة، وحكوا عليه الإجماع.
حكمُ تقليدِ المجتهد لمجتهد آخَرَ:
نقل كثيرٌ من الأصوليين الاتّفاقَ على أن المجتهدَ إذا نظر في الواقعة وتوصّلَ فيها إلى ظنٍّ غالبٍ بحكم الله، لا يجوزُ له أنْ يتركَ ما غلب على ظنه ويعملَ بظنِّ غيره.
وحصروا الخلافَ في المسألة فيما إذا لم ينظرْ في المسألة بعدُ، أو نظرَ فيها ولم يتوصّلْ إلى ظنٍّ غالبٍ.
وغلط بعضُهم فحصر الخلاف فيما إذا اتّسع الوقتُ للنظر والاجتهاد، وحكى الاتفاق على جواز التقليد للعالم إذا ضاق الوقت عن النظر. والصواب: دخولُ ذلك في الخلاف.
[أهم الأقوال في المسألة]
الأول: عدمُ جوازِ التقليد للمجتهد مطلقاً. وهو مذهبُ جمهورِ الأصوليين.
واستدلُّوا بأدلّةٍ كثيرةٍ، منها:
١ - حديث:«دعْ ما يريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ»(رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن الحسن بن علي رضي الله عنهما)، فإن رأي المجتهدِ الآخَرِ مما يرتابُ فيه المجتهد، بخلاف رأيه هو.