القول الثالث: أن الأمر بالشيء يقتضي كراهة ضده وهو اختيار السرخسي والبزدوي من الحنفية.
دليله: أن الأمر من حيث الدلالة اللفظية لا دلالة فيه على النهي عن الضد، ولكنه يدل على النهي بطريق الاقتضاء، ودلالة الاقتضاء أضعف من دلالة النص، فيكون الثابت بها أضعف من الثابت بدلالة النهي المنصوص عليه بصيغته، فيثبت بدلالة الاقتضاء الكراهة.
[الترجيح]
الراجح ـ والله أعلم ـ هو أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، أو يستلزم النهي عن ضده إذا كان المأمور معينا وقد ضاق الوقت عن غيره.
ولا يقال هو عين النهي عن ضده كما قال بعض الأشعرية؛ لأنه من حيث الصيغة لا يمكن القول باتحادهما، وكذا من حيث المعنى الموضوع له اللفظ أصلا.
ولا يقال إنه يقتضي النهي عن ضده مطلقا، بل إذا كان المأمور معينا وضاق الوقت عن الفعل وما يضاده، اقتضى النهي عن الضد، وإلا فلا.
والدليل على رجحان هذا التفصيل: أن أدلة القول الأول لا تدل على أن الأمر المخير والموسع دالان على النهي عن الضد، فقولهم: لا يمكن الإتيان بالمأمور به إلا بترك ضده لا يصح إلا إذا حملناه على الأمر المعين الواجب فعله على الفور.
أما الواجب المخير كخصال الكفارة فيصح فعله مع غيره، وكذا الواجب الموسع لا يحرم على المكلف التلبس بضده قبل فعله إلا حين يضيق الوقت فلا يتسع إلا له وحده.