٣ - النظرُ وبذلُ الجهد: وهو فعلُ المجتهد الذي يتوصَّلُ به إلى الحكم.
الاجتهادُ في عصر الصحابة والتابعين وكبار الأئمة:
في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو المرجع في الفتوى، ومع ذلك لم يكنْ بابُ الاجتهاد موصَداً أمام الصحابة رضوانُ الله عليهم، بل كانوا يجتهدون في غيابهم عنه، فإذا جاءوه عرضوا عليه اجتهادَهم، كما فعلوا عندما بعثهم إلى بني قُريظةَ، وقال:«لا يُصلّينَّ أحدٌ العصرَ إلاّ في بني قُريظةَ»(أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري)، فجاءهم وقتُ العصر، فقال بعضُهم: لم يُردْ منّا أنْ نُؤخِّرَ الصلاةَ، وإنما أرادَ استعجالَنا.
وقال آخرون: بل نأخذُ بظاهر النصِّ، ولا نُصلِّي حتى نصل بني قُريظةَ، ولو غربت الشمس، فعمل كل فريق باجتهاده، ولم يعنف الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم.
وأما بعدَ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد اشتهر اجتهادُ الصحابة، ونُقل إلينا أكثرُه.
ومن ذلك: أن ابن عباس رضي الله عنه كان لا يرى العولَ في الفرائض، خلافاً لأكثر الصحابة الذين قاسوه على ضيق التركة عن سداد الدَّين وتوزيعها على الغُرماء، كلٌّ بحسب دَينه، بحيثُ ينقُصُ ما يأخذُه كل منهم بمثل نقص التركة عن مجموع الدَّين.
وفي عهد التابعين ازدادت الحاجةُ إلى الاجتهاد؛ لكثرة الوقائع، واختلاطِ المسلمين بأُمم أُخرى.
ولقد تأثّرَ اجتهادُ التابعين باجتهاد مَن تفقَّهوا عليه من الصحابة، فكان أهلُ العراق أكثرَ أخذاً عن ابن مسعودٍ وعلي، رضي الله عنهما. وأهلُ المدينة أكثر تأثُّراً بابن عمر - رضي الله عنه -.