ذلك نسخاً، مع أنهم لا يمنعون بقاءَ حكمِ الأصل، والمنعُ من القياسِ عليه لدليلٍِ يمنعُ ذلك؛ إذْ لا قياسَ مع النصّ.
وأما القياسُ على الأصلِ الذي نُسخ حكمُه فقد منعه الأكثرُ، ونُقل عن أبي حنيفةَ جوازُ القياس على الأصل المنسوخ؛ لأنه قاسَ صيامَ الفرض بنيّةٍ من النهار على صيام عاشوراء الذي كان واجباً ونسخ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يطعم أن يتم صوم ذلك اليوم، مع أنه لم ينو الصيام من أول اليوم كما روت الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: «من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم»(متفق عليه).
[نسخ المفهوم والنسخ به]
لا يجوز النسخ بمفهوم المخالفة؛ لأنه أضعف من المنطوق، وأما نسخه فجائز.
ومثال نسخ المفهوم المخالف بدون نسخ أصله: نسخ مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «الماء من الماء»(أخرجه مسلم عن أبي سعيد) بحديث: «إذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغُسل»(أخرجه مسلم عن عائشة)، فالحديث الأول منطوقُه باقٍ وهو وجوب الغُسل من الإنزال، ومفهومه أنه إذا لم يُنزلْ فلا يجبُ الغُسلُ. وهذا المفهوم نُسخ بالحديث المتقدّم عن عائشة.
وأما مفهومُ الموافقة فالجمهور على جواز النسخ به؛ لأنه كالمنطوق أو أقوى.
وأما نسخه مع بقاء أصله فالأكثر على منعه. ومنهم من جوزه مطلقاً، ومنهم مَن جوَّزه إذا كان المفهومُ أولى بالحكم من المنطوق. ولم يشتهرْ له أمثلةٌ في كلام الأصوليين.