الفرق بين الحكم المخصوص من العموم والحكم الثابت رخصة: أن الأول خصص لعدم وجود الداعي للحكم العام فيه، والثاني خصص مع وجود الداعي للحكم العام فيه ولكن لأجل العذر رخص في تركه مع جواز فعله. وإذا منع تركه فإنما يمنع لسبب آخر كما نوجب على المضطر أن يأكل من الميتة ما تبقى به حياته لئلا يهلك نفسه، مع أن الأصل في أكل الميتة للمضطر أنه رخصة، فالمفسدة التي لأجلها ورد النهي عن أكل الميتة موجودة في الميتة التي رخص للمضطر في أكلها، ولكن أبيح له الأكل دفعا للمشقة، وفي تخصيص الحامل من المطلقات وجعل عدتها وضع الحمل وعدة غيرها ثلاثة قروء، الأمر مختلف، فالحكمة التي أمرت لأجلها المطلقة الحائل بالانتظار ثلاثة قروء هي التأكد من خلو الرحم، والحامل إذا وضعت قطعنا بخلو رحمها، وهذا معنى قولنا: في الرخصة الداعي موجود، وفي التخصيص معدوم.
[ما الأحكام التي توصف بأنها رخصة؟]
الأصل في الرخصة أن لا يوصف بها إلا الإباحة، ولكن قد يعرض للحكم الموصوف بأنه رخصة ما يجعله واجبا أو مندوبا، وذلك كالأكل من الميتة لمن أشرف على الهلاك، الأصل أنه رخصة ولكن يكون واجبا إذا أدى تركه إلى الهلكة.
والفطر للمسافر في نهار رمضان رخصة، ولكن إذا شق عليه الصوم يكون الفطر مندوبا. وأما القصر في السفر فمن العلماء من جعله واجبا؛ لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، ولحديث عائشة:«فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر»(أخرجاه في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم) ولا وجه لتسميته رخصة حينئذ.