هذه المسألة من المسائل التي أطال فيها الأصوليون الكلام، وهي لا تحتمل الإطالة، ونقل بعضهم الإجماع على عدم جواز العمل بالعام قبل البحث عن المخصص، وعارضه الآخر بالإجماع على العمل بالعام حتى يطلع على المخصص.
والذي يظهر لي أن الصواب التفريق بين العلماء المجتهدين ـ الذين أحاطوا بغالب نصوص الشريعة وحصلوا من العلم ما يمكنهم من معرفة مراد الشارع، وسبروا غور النصوص فعرفوا العام والخاص، والناسخ والمنسوخ، وخبروا مواطن الإجماع والخلاف ـ والعوام ومن يلحق بهم من المنتسبين إلى الفقه الذين أخذوا من العلم ما لا يكفي للتربع على عرش الفتيا وسدة القضاء.
فالقسم الأول , وهم العلماء المجتهدون لا ينبغي الخلاف في أنهم إذا بلغتهم آية عامة أو حديث عام ولم يبلغهم المخصص على الرغم من تمرسهم بالعلم وسعة اطلاعهم على الأدلة أنهم يجب عليهم العمل بالعام، ولا يلزمهم التوقف إلى أن يبحثوا لاحتمال وجود المخصص.
وأما القسم الثاني، وهم العوام ومن في حكمهم فهؤلاء ليس لأحدهم أن يعمل بالعام إذا بلغه دون أن يسأل أهل العلم المجتهدين، ولو ابتلي أحد المتفقهة بمنصب قضاء أو فتيا فليس له أن يفتي أو يقضي قبل أن يراجع كتب العلم التي تتيسر له ويبذل جهده في درك حكم المسألة منها، ولو بلغه حديث عام ليس له أن يبادر إلى العمل أو الفتيا بعمومه قبل أن يراجع ما قاله أهل العلم فيه، ويبذل غاية جهده في ذلك.