للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يظهر أن الذين نقل عنهم المنع من العمل بالعام قبل البحث عن المخصص إنما منعوا لأحد سببين:

الأول: أنهم لا يقصدون بالبحث عن المخصص استقصاء موارد الأدلة جميعها، وإنما يقصدون مجرد التروي واسترجاع المعلومات السابقة لعرض الدليل العام عليها، فإن وجدوا فيها ما يخصصه وإلا عملوا به في عمومه.

وهذا ظاهر من قول أبي زيد الدبوسي: «وأما الفقيه فيلزمه أن يحتاط لنفسه فيقف ساعة لاستكشاف هذا الاحتمال بالنظر في الأشباه، مع كونه حجة للعمل به إن عمل، لكن يقف احتياطا حتى لا يحتاج إلى نقض ما أمضاه بتبين الخلاف» (١).

ولا يخفى أن مثل هذا التوقف لا ينبغي الخلاف فيه.

الثاني: أنهم منعوا ذلك خوفا من أن يقدم كل أحد على العمل بالعموم دون بحث وإن كان من غير أهل الاجتهاد، ولو أذن لغير المجتهدين في ذلك لعطلوا كثيرا من نصوص الشريعة الخاصة للجهل بها.

وهذا يظهر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول ـ في ترجيح قول المانعين ـ: «وهذا هو الصحيح الذي اختاره أبو الخطاب وغيره، فإن الظاهر الذي لا يغلب على الظن انتفاء ما يعارضه لا يغلب على الظن مقتضاه، فإذا غلب على الظن انتفاء ما يعارضه غلب على الظن مقتضاه، وهذه الغلبة لا تحصل للمتأخرين في أكثر العمومات إلا بعد البحث عن المعارض» (٢)، فقوله: لا تحصل للمتأخرين الخ، يدل على أنه رجح المنع لما يعرفه من حال المتأخرين


(١) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ١/ ٢٦٧، طبعة بولاق بذيل كتاب المستصفى.
(٢) مجموع الفتاوى ٢٩/ ١٦٦ - ١٦٧.

<<  <   >  >>