اجتهادُ الرسول صلى الله عليه وسلم واجتهاد الصحابة في عهده
تكلّم الأصوليون في مسألتين، يُعدُّ الكلامُ فيهما كنقل السيرة، لا يترتّبُ عليه فروعٌ فقهيةٌ، وإنْ كان لا يخلو من فوائدَ.
والمسألتان هما: مسألة اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسألة اجتهاد الصحابة في عهده، ولنتكلم عن كل منهما باختصار.
١ - مسألةُ الاجتهاد من النبيّ صلى الله عليه وسلم:
والجمهور على أنه قد يجتهدُ، إذا لم يأته وحيٌ، وقد يتوقّفُ إلى نزول الوحي.
وإذا اجتهد: فمنهم مَن يقول: إنه مسدَّدٌ للحقِّ لا يُمكنُ أنْ يُخطئَ في اجتهاده.
ومنهم من يقول: إنه قد يُخطئُ في إصابة الحقّ، ولكن اللهَ يُصوِّبُه حالاً ويُبيّنُ له الحقَّ.
والنصوص التي تدلُّ على القول الأخير أصرحُ، كقوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[التوبة٤٣]، وقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس١ - ٣]، وقوله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[الأنفال٦٧]، وغير ذلك، ففي هذه الآيات عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم من الله، ولا يعاتبه إلا على الخطأ.
وليس في هذا انتقاصٌ لمنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما فيها دليلٌ على بشريّته،