ظهر مما سبق أن الشافعية أكثر المذاهب عملا بحمل المطلق على المقيد، ومع ذلك فقد ذكروا شروطا لصحة ذلك الحمل أظهرها ما يلي:
١ ـ أن يكون القيد من باب الصفات، كالإيمان في الرقبة، ولا يصح أن يكون في إثبات زيادة لم ترد في المطلق، ولذلك لا يصح أن يقال: يجب أن يُيَمم الرجلين والرأس إذا أراد التيمم.
٢ ـ أن لا يعارض القيد قيدٌ آخر، فإن عارضه قيد آخر لجأ المجتهد إلى الترجيح.
مثاله: حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب، ورد بلفظ: فليغسله سبعا إحداهن بالتراب، وورد بلفظ: أولاهن، وبلفظ أخراهن، وكلها صحيحة السند، فالأولى مطلقة، والثانية والثالثة مقيدتان بقيدين متضادين فلا يمكن حمل المطلق على المقيد هنا إلا بترجيح.
٣ ـ أن يكون ورود المطلق في باب الأوامر والإثبات، أما في سياق النفي والنهي فلا يحمل المطلق على المقيد، فلو قال: لا تعتق مكاتبا، ثم قال: لا تعتق مكاتبا كافرا، فلا يحمل المطلق على المقيد؛ لأنه لو أعتق مكاتبا مؤمنا لأخل بعموم اللفظ الأول.
كذا قالوا، ولا يخفى أن النكرة في سياق النفي والنهي تكون للعموم فلا يكون تقييدها من تقييد المطلق بل من تخصيص العام، والعام لا يخصص بما يدل على ثبوت الحكم لبعض أفراده.
٤ - أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد، فإن قام دليل يمنع منه لم يجز، مثاله: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة٢٣٤]، مع قوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ