وفي الاستدلال ضعفٌ، من جهة أن الحديثَ لا يُفيدُ أكثرَ من ترك المشكوكِ فيه والعملِ بالمقطوع. فلا ينطبقُ على مسألتنا.
٢ - الأدلّةُ الدالّةُ على ذمّ التقليد، فإنها تشمل تقليد المجتهد - القادر على النظر - لغيره.
٣ - أن التقليدَ إنما أُذنَ فيه للعاجز عن الاجتهاد، فلا يشملُ القادرَ؛ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل٤٣]. وعدمُ نظره في المسألة لا يُخرجُه عن كونه من أهل العلم.
القولُ الثاني: لا يجوزُ له التقليدُ، إلاّ إذا ضاق الوقتُ وحضر وقتُ العمل، ولم ينظرْ أو لم يتبيّنْ له فيها رأيٌ. وهو مذهب ابن سُريجٍ، واختاره ابنُ تيميةَ. وجعله بعضُ العلماء جائزاً باتّفاقٍ في هذه الحالة.
ودليلُه: أنه إذا لم يتمكّنْ من النظر لضيق الوقت، أو نظر فلم يظهرْ له حكمٌ معيَّنٌ يكونُ بمنزلة العاميّ؛ إذْ لا يُمكنه التوقُّفُ إلى الأبد.
ولأن اللهَ علّق جوازَ التقليد على عدم العلم بالبيّنات، والمجتهدُ في المسألة التي لم ينظرْ فيها لا علمَ له بأدلّتها.
القولُ الثالث: جوازٌ تقليدٍ المجتهد للأعلم منه، دون مَن هو مثلُه أو أقلُّ منه. وهو مذهب محمد بن الحسن الشيبانيّ.
واحتجَّ: بأن العالم مع مَن هو أعلمُ منه كالعاميّ مع العالم.
وهناك أقوالٌ أخرى: تُجوّز تقليدَ الصحابة وحدهم، أو الصحابة والتابعين.
والراجحُ: القول الثاني، وهو: جوازُ التقليد مع ضيق الوقت لا مع سعته، وكذلك إذا نظر ولم يظهرْ له حكمٌ جاز له التقليدُ؛ وذلك لأن العالمَ حينئذٍ إما أنْ يُقلّدَ، وإما أنْ يتركَ العملَ. ولا يجوزُ له تركُ العمل مع قدرته على سؤال غيره.