الصحيح عند الأكثر أنه إجماع، وقال ابن الباقلاني والقاضي عبد الوهاب المالكي لا يكون إجماعا؛ لأن اختلافهم أولا إجماع على تسويغ الخلاف، فلا ينقضه رجوع بعضهم عن رأيه.
وقال الجويني: إن قرب العهد كان اتفاقهم بعد الاختلاف إجماعا، وأما إن تمادى الزمان واستقر الخلاف فليس اتفاقهم بعد ذلك إجماعا.
والصحيح: أنه يعد إجماعا؛ لأنه قول كل المجتهدين في هذا العصر، والقول الذي رجع عنه صاحبه لا عبرة به.
وأما إذا اختلف أهل العصر السابق على قولين ثم اتفق الذين بعدهم على قول من القولين كما لو اختلف الصحابة على قولين ثم اتفق التابعون على أحدهما، فاختلف العلماء في ذلك هل يعد إجماعا؟:
فذهب بعضهم إلى أنه إجماع؛ لأنه قول كل أهل العصر الثاني.
وذهب بعضهم إلى أنه ليس إجماعا؛ لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها فيبقى جواز تقليدهم فيها بعد موتهم.
والصحيح: أن هذا لا يعد إجماعا؛ لأن متبع القول الذي مات قائله لا يصدق عليه أنه اتبع غير سبيل المؤمنين، والمعتمد في الاستدلال هو الآية المذكورة سابقا، ولأن الأمة لم تجتمع على حكم واحد في تلك المسألة بل اختلفوا فلا يصدق على هذه الصورة حديث:«لا تجتمع أمتي على ضلالة».
وأما حديث:«لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين» فالمقصود بالحديث ليس مسائل الفروع الاجتهادية، وإنما المقصود بقاء طائفة من الأمة على الدين الحق. ولو سلم أنه يعم كل مسائل الخلاف فإن المتبع لصاحب القول السابق المخالف لما أجمع عليه علماء العصر قد يكون هو الذي على الحق