والقياس ينقسم إلى قياس طرد وقياس عكس، ولكن العلماء حين يعرفونه إنما يعرفون قياس الطرد لأنه الأصل، أما قياس العكس فقل من يراعيه عند تعريف القياس؛ إما لأنه لا يرى حجيته، وإما لقلة وروده في كلام الفقهاء، وإما لاختلاف الحقيقتين وتعذر الجمع بينهما في تعريف واحد.
والمراد بالطرد هنا: ثبوت الحكم لثبوت الوصف المدعى عليته.
والعكس: انتفاء الحكم لانتفاء الوصف المدعى عليته.
وإذا نظرنا إلى تعريفات الأصوليين للقياس نجد أن غالبهم لا يلتفت إلى قياس العكس عند التعريف فلهذا يعبرون بلفظ إثبات أو إلحاق أو حمل أو مساواة، ويعبرون بلفظ: لاشتراكهما في العلة، أو لتساويهما في العلة، ومعلوم أن هذا إنما يصدق على قياس الطرد؛ إذ هو الذي يثبت به حكم للمسكوت عنه مساو لحكم المنطوق، لتساويهما في علة الحكم.
وما جرى عليه جمهرة الأصوليين من قصر التعريف على قياس الطرد دون قياس العكس هو الأولى؛ لاختلاف الحقيقتين وعدم إمكان الجمع بينهما في تعريف واحد. ولهذا فسنذكر التعريف المختار لقياس الطرد لأنه المقصود بالقياس عند الإطلاق. فأقول: أحسن ما يعرف به القياس أن يقال:
«هو إثبات مثل حكم الأصل للفرع لتساويهما في علة الحكم».
شرح التعريف:
لشرح التعريف لا بدّ من معرفة معاني الكلمات الآتية: الحكم، الأصل، الفرع، العلة.
فالحكم سبق تعريفه، والمقصود به هنا: أي حكم من الأحكام الشرعية، كالوجوب والتحريم والندب.