العلماء اختلفوا في أثر العلة في الحكم على ثلاثة مذاهب:
١ـ مذهب المعتزلة: أن العلة لها أثر في ثبوت الحكم، فهي المثبتة للحكم، كما أن العلة العقلية هي المثبتة لحكمها، فكما نقول: التسويد علة لكون المحل أسود، والأكل علة للشبع، والشرب علة للري، نقول: اختلاف الوزن علة لتحريم بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مع التفاضل، وهكذا.
٢ - مذهب الأشاعرة: أن العلة ليس لها أثر في وجود الحكم، وإنما هي علامة مجردة عليه، والحكم يسند لله وحده لا للعلل.
٣ - المذهب الثالث: أن العلة لها أثر في الحكم، ولكن ليست مؤثرة بذاتها، بل الله جل وعلا هو الذي جعلها مؤثرة، وهذا القول هو اللائق بمذهب السلف؛ لأنه مقتضى نصوص القرآن والسنة، كقوله تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}[المائدة٣٢] وقوله: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}[الحشر٧] وقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}[الزخرف٥٥].
وهذا خلاف نقل إلى أصول الفقه من خلافهم في علم الكلام؛ فإن المعتزلة يثبتون الأسباب ويجعلونها مؤثرة بنفسها، أو يسندون التأثير إليها، والأشعرية ينكرون أثر الأسباب ويجعلون المؤثر هو الله وحده، والأسباب والعلل عندهم ليست إلا علامات على أن الله أراد وجود المسبب، فالمعتزلة يقولون: النار محرقة بذاتها، إلا إن أراد الله أن يسلبها هذه الخاصية فإنه على كل شيء قدير، والأشعرية يقولون: النار لا تكون محرقة إلا إذا أراد الله لها ذلك.
والقول الحق في ذلك هو الجمع بين القولين، فلا ننكر أثر الأسباب والسنن التي جعلها الله في الكون لعمارته وبقائه، وفي الوقت نفسه لا نقول إن ذلك يكون بغير إرادةالله وتدبيره، بل نقول: العلل والأسباب لها تأثير، ولكن