قالوا: كذلك إذا وجدنا حكما يدور مع وصف ما فيوجد بوجوده ويعدم بعدمه، يصح أن نستدل بذلك على علِّية الوصف وكونه مدار الحكم.
والقول الثاني: عدم إفادة الدوران العلية، وهو مذهب كثير من الأصوليين وهو اختيار ابن السمعاني والغزالي وأبي إسحاق، ونقله ابن برهان عن القاضي الباقلاني، مع أن إمام الحرمين نقل عنه المذهب الأول. واختار هذا القول الآمدي.
دليله: أن الاطراد وحده ليس دليلا على العلة، والانعكاس ليس معتبرا في العلل الشرعية، فمجموعهما لا يكون دليلا على العلة.
وهذا باطل؛ لأن كون الاطراد وحده لا يصلح دليلا على العلة، والانعكاس وحده كذلك، لا يدل على أنهما إذا اجتمعا لا يصلحان دليلا على العلة، كما أن العلة المركبة من أوصاف إذا أخذنا كل واحد من الأوصاف وحده لا يصلح علة، وإذا اجتمعت صلحت علة، مثل قولنا: علة القصاص القتل عمدا عدوانا، وكل واحد من الأوصاف بمفرده لا يصلح علة.
وعلى ذلك يكون الراجح جواز الاستدلال على علية الوصف بدوران الحكم معه، ولكن ينبغي أن نعلم أنه لكي تكون العلة المستنبطة بهذا الطريق متعدية لا بد أن يتكرر دوران الحكم معها في أكثر من موضع، وقد نقل القرافي عن النقشواني قوله:«الدوران عين التجربة، وقد تكثر التجربة فتفيد القطع وقد لا تصل إلى ذلك»(١).