وأما القياس في الرخص فقد منعه بعض العلماء. والصحيح جوازه مع وضوح الشبه والاشتراك في المناسبة، ومثاله: قياس الوحل والريح الشديدة والثلج على المطر، في الترخص لأجلها في الجمع، وقياس المريض على الممطور في الجمع بين الصلاتين في الحضر.
وأما القياس في الكفارات فإن أريد بالقياس إثبات كفارة جديدة بمجرد الرأي فلا يصح ذلك.
وأما قياس فعل على فعل في كونه موجبا للكفارة مثله فهذا صحيح، وهو الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام العلماء الذين أجازوا القياس في الكفارات حيث قاس المالكية الأكل والشرب عمدا في رمضان على الوطء في وجوب الكفارة. وقاس الشافعي قتل العمد على قتل الخطأ في وجوب الكفارة.
والحنفية نقل عنهم منع القياس في الكفارات، واعتذروا عن إلحاق الأكل عمدا بالوطء بأنه ليس قياسا بل من باب تنقيح المناط وهو عندهم ليس من القياس، فلا يكون بينهم وبين غيرهم من الجمهور خلاف حقيقي؛ لأنهم حين منعوا القياس في الكفارات قصدوا منع تحديد كفارة على عمل محرم بطريق القياس والاجتهاد؛ لأن العقل مهما بلغ لا يمكن أن يعرف القدر الذي يحصل عنده تكفير الذنب وإنما يعرف ذلك بالنص وما في معناه.
والذين أجازوا القياس في الكفارات لم يمثلوا له إلا بقياس اليمين الغموس على اليمين الحانثة، وقتل العمد على قتل الخطأ.
والحنفية لهم مأخذ آخر لرد هذا القياس، وهو أنه زيادة على النص؛ فإن القرآن نص على الكفارة في قتل الخطأ دون العمد، واليمين الحانثة وهي التي تكون على أمر مستقبل كأن يحلف أن يفعل كذا أو أن لا يفعل كذا ثم لا يبر بيمينه، دون اليمين الغموس وهي اليمين الكاذبة على إثبات شيء أو نفيه.