وقد اتفق الأصوليون على القيد الأول، وهو أن الأمر طلب فعل لا طلب ترك، واختلفوا في القيدين الأخيرين.
فالقيد الثاني خالف فيه جماعة من الأصوليين وقالوا: إن الأمر قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل كالإشارة والكتابة، والجمهور قالوا: لا يسمى الفعل أمرا إلا على سبيل المجاز المفتقر إلى القرينة.
ولهذا فإن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم المجردة لا تكون بمثابة الأمر إلا إذا دل الدليل على وجوب متابعته فيها.
وأما القيد الثالث فقد اختلفوا فيه، فمنهم من اشترط في مسمى الأمر الاستعلاء، وقد تقدم تفسيره.
ومنهم من اشترط العلو، وهو أن يكون الكلام صادرا ممن هو أعلى رتبة من المأمور في واقع الأمر.
ومنهم من اشترط الأمرين معا (العلو والاستعلاء).
ومنهم من لم يشترط أيّاً منهما.
والصواب: أن الأمر الذي يصلح مصدرا للتشريع لا يكون إلا ممن هو أعلى رتبة، أي: من الله عز وجل أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذا فاشتراط العلو هو الأقرب.
والفرق بين الاستعلاء والعلو: أن الاستعلاء صفة في الأمر نفسه، أي: في نبرة الصوت، أو في طريقة إلقائه، أو في القرائن المصاحبة، وأما العلو فهو صفة في الآمر أي: أن الآمر أعلى رتبة من المأمور في واقع الأمر.