قولهم: لو جاز أن يرد العام مراداً به الخصوص بلا قرينة لارتفع الأمان ... الخ. يجاب عنه بجوابين هما:
١ ـ المنع من الملازمة، فلا يلزم من قولنا المذكور التلبيس ولا ارتفاع الأمان ولا التكليف بالمحال.
أما عدم لزوم التلبيس وارتفاع الأمان عن اللغة، فلأن الكلام فيما إذا لم تظهر لنا قرينة صارفة ولم نقطع بانتفائها، والتلبيس إنما يلزم لو قطعنا بعدم القرينة الصارفة ومع ذلك لم يرد باللفظ عمومه.
وأما عدم لزوم التكليف بالمحال، فلأن المكلف لم يطلب منه معرفة مراد الشارع في واقع الأمر، وإنما المطلوب منه الامتثال لما يظهر أنه مراد الله ورسوله، وهذا ليس محالاً؛ إذ العام ظاهر في دخول كل فرد من أفراده، فيجب العمل به في عمومه إذا لم يظهر ما يصرفه عن ذلك.
٢ ـ أن اللفظ الخاص يحمل على حقيقته مع احتماله المجاز ما لم تقم قرينة على صرفه عن حقيقته إلى مجازه، وهذا باتفاق بيننا وبينكم، ولم تقولوا إنه يفضي إلى التلبيس وارتفاع الأمان، فكذلك العام يحمل على عمومه مع احتماله الخصوص، ولا يلزم من ذلك التلبيس وارتفاع الأمان عن اللغة.
والراجح في هذه المسألة مذهب الجمهور، وهو أن دلالة العام ظنية.
وقد ترتب على الخلاف في هذه المسألة خلاف في مسائل أصولية وفرعية منها:
تخصيص عموم القرآن والسنة المتواترة بالآحاد:
فقد ذهب الحنفية إلى أن العام في القرآن والسنة المتواترة إذا لم يسبق تخصيصه بقطعي لا يجوز تخصيصه ابتداء بخبر الآحاد، وذهب الجمهور إلى جواز ذلك.