العصور الثلاثة المفضلة، فإنهم ما كانوا يتوقفون في العمل بالعام المخصوص في بقية أفراده، ومن ذلك احتجاج علي وعثمان رضي الله عنهما على تحريم الجمع بين الأختين بملك اليمين بقوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}[النساء٢٣]، وعلى إباحته بقوله تعالى:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}[المؤمنون٦]، فقالا: أحلتهما آية وحرمتهما آية، مع أن كلا من الآيتين مخصوصة بإجماع؛ إذ ليس كل جمع بين الأختين محرما، وإنما يحرم الجمع بينهما في الوطء والنكاح، وأما ملك الأختين الرقيقتين فلا يحرم.
وكذلك دل العقل والإجماع على تخصيص قوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}، فليس كل ما ملكت اليمين يجوز وطؤه.
أما كون العام بعد التخصيص ظنيا فهو مذهب جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
فأما المذاهب الثلاثة الأخيرة فإن العام عندهم ظني الدلالة خصص أو لم يخصص، ولكن العام المحفوظ عندهم أقوى من العام المخصوص، وكثرة المخصصات تضعف دلالة العام، ولذا فإن العام المحفوظ يقدم عند التعارض على العام المخصوص، بل يقدم المختلف في تخصيصه على المتفق على تخصيصه.
وفي هذا المعنى يقول إمام الحرمين: «ويقدم أحد العمومين بكون التخصيص فيه على النزاع على ما خص بالاتفاق كقوله سبحانه: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}، خص منه تحريم الأختين بالرضاع اتفاقا، وهل في قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} تخصيص؟ على الخلاف، فكان هذا أولى لأنه أبعد عن