وقالوا: إن الدم أطلق في موضع، وقيد في موضع آخر بكونه مسفوحا.
وهذا المثال فيه نظر؛ وهو أن لفظ (الدم) اسم جنس محلى بأل، وهو من صيغ العموم فيكون عاما لا مطلقا.
ويمكن أن يجاب بأنه عام في الدم القليل والكثير، وأما من حيث صفات الدم الأخرى فهو مطلق، وجاء تقييده في الآية الأخرى. وفي هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد باتفاق.
ومن أمثلته الظاهرة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر:«من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين»(متفق عليه).
وقوله في حديث ابن عباس بعرفة:«فليلبس الخفين»(متفق عليه). وليس فيه ذكر للقطع.
فالقاعدة تقتضي أن يحمل المطلق على المقيد باتفاق؛ لاتحاد الحكم والسبب، فالحكم هو لبس الخف لمن لم يجد النعل، والسبب هو الإحرام، ولكن الخلاف وقع من جهة قاعدة أخرى وهي أن المطلق جاء متأخرا عن المقيد، فذهب بعض العلماء إلى أن المطلق إذا تأخر ينسخ المقيد المتقدم، وهذا مذهب الحنفية ورواية عن أحمد.
وذهب بعض العلماء إلى أن المطلق لا ينسخ المقيد سواء تقدم أو تأخر، ويكون المقيد مقدما على المطلق فيقيد به، ولهذا قال بعضهم بوجوب قطع الخفين لمن لم يجد النعلين من المحرمين الذكور. وقال آخرون بعدم وجوب القطع.
ثم حاول كل فريق أن يستدل على رأيه بأدلة أخرى تقوي جانبه، وليس هذا موضع بسطها.