للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا تحقّقت الشروطُ السابقةُ في الدليلين المتعارضين، فما موقفُ المجتهد؟

اختلف العلماءُ في ذلك:

فذهب بعضهم إلى التخيير، بأنْ يكونَ المكلَّفُ مخيَّراً بين العمل بهذا الدليل أو ذاك، ونُسب للشافعي، واختاره القاضي الباقلانيّ والغزاليّ.

وهذا يُناسبُ القائلين: إن كلَّ مجتهدٍ في الظنيات مصيبٌ، وأن الحقَّ عند الله يُمكنُ أنْ يتعدّدَ. ولا يُناسبَ المُخطِّئةَ.

وذهب بعضُهم إلى التوقُّف، وهو يُناسبُ القولَ بتخطئة بعض المجتهدين، وأن المصيبَ واحدٌ.

وذهب بعضهم إلى أن على المجتهد أنْ يأخذَ بالأشدِّ؛ لأن الحقَّ شديدٌ.

وذهب آخرون إلى أن عليه أنْ يأخذَ بالأيسر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا» (متفق عليه عن أنس وأبي موسى).

والراجح - إن شاء الله تعالى - أنْ يُقال: هذا قد يكونُ في حقّ بعض المجتهدين دون بعضٍ؛ ولذا فإن المجتهدَ إذا لم يتّضحْ له رجحانُ أحد المتعارضَينِ يلزمُه أنْ يتوقّفَ ويبحثَ عن دليلٍ آخَرَ، يُؤيِّدُ هذا الدليلَ أو ذاك، فإنْ حضر وقتُ العمل ولم يترجّحْ له شيءٌ عمل بالأحوط منهما، أو قلَّد الأعلمَ منه.

وأما الذين يستفتونه فليس له أنْ يُفتيَهم، بل عليه أنْ يدلََّهم على غيره من المجتهدين، ويُخبرهم أنه لم يترجّحْ عنده شيءٌ.

وأما المقلّدُ الذي لا قدرةَ له على فهم الأدلّة والموازنة بينها ففرضُه سؤالُ مَن يثقُ في علمه ودينه من العلماء؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل٤٣].

<<  <   >  >>