ومَن قال المصيبُ واحدٌ، قال: يجبُ عليه التوقُّفُ حتى يترجّحَ له أحدَ القولين، وإنْ حضر وقتُ العمل فله أنْ يُقلِّدَ عالماً آخَر.
ومن تلك المسائل: إذا تعارضت فتوى عالمين، فما موقفُ المقلِّد؟
فمَن قال: كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ، قال: يتخير.
ومَن قال: المصيبُ واحدٌ، قال: يأخذُ بقول الأوثق منهما والأعلم، فإن تساويا فالأورعُ منهما والأتقى، فإن تساويا، سأل ثالثاً.
وقد فسّر بعضُ العلماء ما نُقلَ عن الشافعيّ من تصويب المجتهدين بأن المرادَ أنه أصاب في عمله بما توصَّل إليه اجتهادُه، وليس المرادُ أنه أصاب الحقَّ عند الله في واقع الأمر. والمسألةُ فيها كلامٌ طويلٌ للأصوليين، ولكن فيما ذكرتُه كفايةٌ إن شاء الله تعالى.
وقد ساق جماعةٌ من الأصوليين - منهم الغزالي والصفيُّ الهنديّ - المسألةَ على وجهٍ آخَر، فقالوا: الواقعةُ إما أنْ يكونَ عليها نصٌّ أو لا، فإنْ كان عليها نصٌّ، فإما أنْ يجتهدَ في طلبه أو لا، إن اجتهد: فإما أنْ يبذُلَ وُسعَه أو يُقصّرَ في البحث.
فإن وجد المجتهدُ نصّاً وحكم به، فهو مصيب ولا خلافَ في ذلك.
وإنْ وجده ولم يحكمْ به مع العلم بدلالته، فهو مخطئٌ آثمٌ.
وإنْ قصّر في البحث، فهو آثمٌ.
وإنْ لم يُقصِّرْ، فهو غير آثمٍ.
وإنْ كانت المسألةُ لا نصَّ فيها، فقد قال جمهورُ المتكلِّمين: ليس لله فيها حكمٌ معيَّنٌ قبلَ اجتهاد المجتهد، بل حكمُ الله تابعٌ لاجتهاد كلّ مجتهد. ولهذا قالوا: كلُّ مجتهدٍ فيها مصيبٌ.