والحكم الوضعي لا يشترط العلم به، فمن فعل المحرم جاهلا بتحريمه فلا يؤثّم بل يُعذر، ولكن من فعل سببا من أسباب الضمان لزمه وإن لم يعلم بكونه سببا للضمان، فلو منع فضل طعامه مضطرا حتى مات ضمنه، سواء أعلم بأن ذلك سبب للضمان أم لا. ولكن في العقوبات البدنية كالحدود لا يلزمه الحد إذا كان جاهلا بالتحريم، فمن سرق وادعى عدم علمه بحرمة السرقة، وأمكن تصديقه لكونه حديث عهد بالإسلام مثلا، فلا تُجعل السرقة سببا في إقامة الحد عليه؛ لأن وجوب الحد تابع للتحريم، والتحريم حكم تكليفي لا يثبت مع الجهل.
وأما في ضمان المتلفات فإن الضمان ليس تابعا للتحريم بدليل أنه إذا اضطر يباح له الأكل من مال غيره وعليه ضمانه، ولذا قالوا:«الاضطرار لا يبطل حق الغير».
ومما يزيد الأمر وضوحا أن المرأة يقع عليها الطلاق علمت به أولا، ولكن لو تكلم الزوج بلفظ الطلاق من غير أن يعرف معناه فلا يقع، وكذلك لو تكلم بلفظ الهبة أو البيع دون علم بمعناه، لعدم القصد.
٣ - أن خطاب التكليف يشترط فيه قدرة المكلف على فعل ما كلف به؛ لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة ٢٨٦]، وقوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج ٧٨]. وأما خطاب الوضع فليس من شرطه ذلك ولهذا فإن كثيرا من الأسباب لا قدرة للمكلف على إيجادها أو منعها ولا يمنع ذلك من كونها أسبابا، مثل دخول شهر رمضان سبب لوجوب الصوم مع كون السبب المذكور ليس في مقدور المكلف منعه ولا إيجاده. وموت المورث سبب للإرث وليس هو من فعل الوارث ولا داخلا تحت قدرته. وكذلك الشأن في الموانع تمنع الحكم وإن كانت ليست من