وفي أواخر القرن السادس وما بعده انتشرت المختصرات والشروح، فأما المختصرات فكان القصد منها الحفظ وجمع أكبر قدر من المسائل الأصولية في كتاب صغير يمكن حفظه. وأما الشروح فكان القصد منها حل ما في المختصرات من إشكال، وتفصيل ما فيها من إجمال، وتقريب المسائل بضرب الأمثلة وبيان الراجح من الأقوال بذكر الأدلة.
وفي العصر الحديث ضعفت همم الناس عن حفظ المختصرات، وقصرت أفهامهم عن إدراك ما فيها من المبهمات، ولم يجدوا من الوقت ما يقضونه في دراسة المطولات، من الشروح والمؤلفات، فاحتاجوا إلى نوع جديد من المؤلفات، يكون سهل العبارة محصلا للمقصود من أصول الفقه بأيسر طريق.
ولما كان أصول الفقه من علوم الآلة لا من العلوم التي تقصد لذاتها وإنما للتوصل إلى الفقه في الدين ومعرفة الحلال من الحرام بطريق يطمئن إليها العالم ويقتنع بها طالب العلم، لم أر بأساً من الإسهام في إعادة صياغة هذا العلم بأسلوب ميسر، مع المحافظة على أسسه وقواعده، ومحاولة التقريب بينه وبين الفقه، ليمتزج العلمان فتؤخذ الثمرة من المثمِر طرية يانعة.
وما يتخوّف منه بعض الغيورين من ابتعاد الناس عن كتب التراث وجهلهم بلغتها وأسلوبها إن هم اكتفوا بتلك المؤلفات الحديثة، لا أرى له ما يؤيده من النقل ولا من العقل؛ فإن النقل إنما جاء بالأمر بالتفقه في الدين ومعرفة حكم الله جل وعلا بالطريق الصحيح والعمل به:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة ١٢٢]«رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها»، ولم يتعبدنا الله جل وعلا بقراءة كتاب غير كتابه ولا بحفظ كلام سوى كلامه، ولم يتعبدنا الله بالاجتهاد في فهم معميات المختصرات، ولا بالاجتهاد في منطوق