الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
وصلنا في الكلام إلى من وجب عليه الحج فلم يحج حتى مات قبل تمكنه من الأداء.
فإذا وجب على إنسان الحج ولكن في العام الذي كان معه المال توفي قبل أن يبدأ موسم الحج وقبل أن يسافر الناس إلى الحج، فهذا لم يتمكن من الأداء، فشرط الاستطاعة غير موجود، والأفضل في حقه أن الورثة يأخذون من ماله ما يحججون به عنه، ولكن إن لم يفعلوا ذلك فهذا لم يجب عليه لعدم تمكنه من الفعل.
إذاً: من مات قبل حج الناس من سنة الوجوب، أي: كان معه مال وأراد أن يحج، ولكن قبل أن يحج توفي فلم يفعل، فالأفضل أن يحج عنه ورثته، وقد فعل هو ما عليه.
أما إن مات بعد التمكن من أداء الحج، كأن مات بعد حج الناس وقد استقر الوجوب عليه، ولم يبذل أي شيء في سبيل أن يحج، فحج الناس وتوفي هو بعد ذلك فقد استقر الوجوب عليه، وعلى ورثته أن يخرجوا من تركته ما يحج به عنه، سواء أوصى أو لا، ففي صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال:(بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت، فقال صلى الله عليه وسلم: وجب أجرك وردها عليك الميراث)، فالمرأة تصدقت على أمها بجارية على وجه الهدية أو الهبة أو الصدقة، فلما ماتت الأم عادت الأمة للبنت، ولذا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(وجب أجرك وردها عليك الميراث)، ثم قالت:(يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ فقال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها).
إذاً: الأم لم تحج، ولم تذكر الفتاة أن هذا الحج كان قد وجب على الأم أو لا؟ ولكن قالت: لم تحج قط فهل أحج أنا عنها؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: حجي عنها.
ففيه جواز النيابة، وأن الإنسان يحج عن أبيه أو أمه، سواء أوصى بذلك أو لم يوص.
ويكون قضاء الحج من الميراث، فمن وجب عليه الحج وتوفي فإن الوارث يحج عنه، أو ينفق مالاً يستنيب به من يحج عن هذا المتوفى من المكان الذي كان سيحرم منه الميت، إلا إن ضاقت التركة فله أن يستأجر من مكة من يحج عنه، لكن إن اتسع المال فالواجب أن يحج عنه من المكان الذي استقر عليه أن يحج هو فيه، ويكون من رأس المال؛ لأنه دين واجب.
ومعنى (من رأس المال): أي: أنه ليس من ثلث التركة مثل الوصية، فالوصية شيء والدين شيء آخر، فالديون تكون من رأس مال المتوفى، فمثلاً: إنسان توفي وترك عشرة آلاف مثلاً وعليه دين خمسة آلاف، فتخرج الخمسة الآلاف من العشرة الآلاف من رأس المال، بخلاف الوصية، فمن توفي وترك عشرة آلاف وأوصى بخمسة آلاف فهنا ينظر هل الورثة راضون أو ليسوا راضين، فإن رضي الورثة فتخرج الخمسة الآلاف، وإن رفض الورثة فيرد هذا النصف إلى الثلث، فيخرج فقط ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون في الوصية، والباقي يأخذه الورثة، لكن الحج دين وفرض وجب عليه، فيخرج من رأس مال المتوفى؛ لأنه دين لله عز وجل على هذا المتوفى.