[قصر الصلاة للحاج]
وإذا دخل الحجاج مكة ونووا أن يقيموا بها أكثر من أربعة أيام لزمهم إتمام الصلاة، وهذا راجع للمسائل التي ذكرناها قبل ذلك في القصر والجمع في صلاة المسافر، فأحوط أقوال أهل العلم: أن الذي ينزل في مكان وينوي إقامة أربعة أيام أو دون ذلك فله أن يقصر خلال هذه الأيام، وإذا نوى فوق ذلك فالراجح أنه يتم الصلاة.
ودليل الأربعة الأيام فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا قلنا: إن الاحتياط في ذلك الأخذ بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام في مكان وقصر الصلاة، فاعتبر أن له حكم المسافر.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة مكث بها، فقدم لصبح رابعة، إذاً: صبح اليوم الرابع كان في مكة، فمكث الرابع والخامس والسادس والسابع، والثامن سيخرج إلى منى، فمكث أربعة أيام ينتظر يوم التروية حتى يخرج إلى منى، فهو لم يكن في خلال هذه الفترة ينوي أن يذهب إلى أي مكان آخر عليه الصلاة والسلام.
وهنا كان يقصر عليه الصلاة والسلام وهو في مكة، فدل على أن الأربعة الأيام إذا مكثها المسافر في مكان سفره وليس في مكان إقامته فله أن يقصر فيها.
فخرج صلى الله عليه وسلم من مكة وتوجه إلى منى، وهناك قصر الصلاة، ثم خرج من منى وتوجه إلى عرفات وقصر الصلاة، وفي المزدلفة صلى العشاء قصراً، ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فكان في تحركه صلى الله عليه وسلم يقصر من الصلاة، وجمع في عرفات والمزدلفة كما قدمنا.
إذاً: لو أن إنساناً سافر إلى الحج في أول ذي القعدة مثلاً؛ فسيبقى أمامه على يوم التروية فترة طويلة، فإذا مكث في مكة فليتم الصلاة، وليحرص أن يصلي مع الإمام، وسواء كان سيمكث فترة بسيطة أو طويلة فليحرص على الصلاة مع الجماعة، وإذا صلى مع الجماعة فيلزمه الإتمام مع الإمام، فلا يصح أن يصلي الإمام ويتم وهذا يقصر خلفه.
فإذا مكث فترة طويلة أو قصيرة وصلى مع الإمام فيلزمه الإتمام، لكن إذا كان ينوي أقل من أربعة أيام وأدركته الصلاة وهو وحده مثلاً، أو في جماعة وقد فاتته الصلاة مع الإمام، فله أن يقصر الصلاة؛ لأنه رجع بحكم المسافر، هذا إذا كان سفره أو مكثه في مكة أقل من أربعة أيام.
وإذا خرج الحجاج إلى منى في يوم التروية فلهم القصر من حيث خرجوا؛ لأنهم أنشئوا سفراً تقصر فيه الصلاة، وإن كان سفراً قصيراً، فإن الذي سيخرج من مكة متوجهاً إلى منى فالمسافة ثلاثة أميال، حوالي ستة كيلو أو نحو ذلك، فهذا أقل ما يكون من مسافات السفر، وله القصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر هنالك.
فيخرج من منى متوجهاً إلى عرفات أيضاً، والمسافة مثل هذا الحد حوالي ستة كيلو أو نحوها، وكذلك سيقصر في عرفات.
ويتوجه الحجيج إلى منى بعد صلاة الصبح من مكة بحيث يصلون الظهر في أول وقتها بمنى، ثم يصلون بها العصر والمغرب والعشاء كل صلاة في وقتها.
وفي منى أنت ذاهب للعبادة، فلا معنى للجمع بين الصلوات، ولم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في منى، فالماكث في منى متفرغ للعبادة، فيصلي كل صلاة على وقتها، ولكن يترخص بما ترخص به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قصر صلاة الظهر والعصر والعشاء فتترخص بما فعل صلوات الله وسلامه عليه.