وقد اختلف العلماء في حكم التعريف بغير عرفات، وهو اجتماع الناس في المساجد بعد العصر يوم عرفة للدعاء ولذكر الله تعالى، اختلف فيه السلف رضوان الله تبارك وتعالى عليهم: فالبعض منهم رأوا أن هذا لا بأس به، فجاء عن الحسن أنه قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس رضي الله عنهما، أي: أنه أول من أظهر ذلك في يوم عرفة، فكان يذهب إلى المسجد ويدعو ويجلس فيه لذكر الله سبحانه وتعالى.
وقال الإمام أحمد: أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث، وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع: كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة، وقال الإمام أحمد: لا بأس به، إنما هو دعاء وذكر لله، فقيل له: تفعله أنت؟ يقال للإمام أحمد ولم ينكر على من يفعله: أتفعله أنت؟ قال: أما أنا فلا.
وروي عن يحيى بن معين: أنه حضر مع الناس عشية عرفة، وفي سنن البيهقي عن أبي عوانة قال: رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس فدعا وذكر الله عز وجل، فدخل الناس المسجد واجتمعوا.
وعن شعبة قال: سألت الحكم وحماداً عن اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد؟ فقال: هو محدث.
وعن إبراهيم النخعي قال: هو محدث.
وعن الحسن قال: أول من صنع ذلك ابن عباس، كأنه يصوب ذلك.
ففيه خلاف فكرهه جماعات منهم: نافع مولى ابن عمر، وإبراهيم النخعي والحكم وحماد ومالك بن أنس رحمهم الله، واستحبه غيرهم.
والراجح: أنه إذا مكث في المسجد فيجوز في أي وقت من العام، وفي أي وقت من اليوم، ويوم عرفة هو من هذه الأيام، والإنسان يكون في المسجد محبوساً على طاعة الله طالما أنه لم يحدث حدثاً، فلم يكن في بيت الله عز وجل ليبتدع بدعة من البدع، فهو جالس للاعتكاف ولدعاء الله عز وجل، وقد فعل ذلك ابن عباس رضي الله عنه، ولا مانع من ذلك أن يرجو رحمة الله في هذا اليوم.