[حكم الطواف والصلاة في الأوقات المنهي عنها]
أجمع العلماء على أن الطواف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها جائز, فيجوز لك أن تطوف بالبيت في أي وقت وفي أي ساعة من ليل أو نهار، في أوقات التحريم أو غيرها، فهذا كله جائز, إنما الخلاف في ركعتي الطواف, فهل من الممكن أن تصلى في أوقات التحريم أو ليس من الممكن ذلك؟ نقول: يجوز أن يصلي ركعتي الطواف في كل الأوقات، ولكن ليجتنب الأوقات اليسيرة التي هي أوقات التحريم.
وأوقات النهي المحرمة ثلاثة: وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وهو حوالي ربع ساعة من وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع تقريباً, وكذلك وقت غروب الشمس حتى تغيب، فإنها تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، فيجتنب في هذين الوقتين من ربع ساعة إلى عشر دقائق فلا يصلي فيها ركعتي الطواف, فيؤخرها قليلاً ثم يصلي بعد ذلك, وقبل غروب الشمس إذا طاف وبقي عشر دقائق على غروب الشمس فلا يصلي، وإنما ينتظر, فإذا غربت الشمس صلى ركعتين بعد ذلك.
وكذلك قبيل صلاة الظهر بقدر يسير جداً لا يكفي لركعتين، وهو وقت استقلال الظل بالرمح قبل صلاة الظهر مباشرة, فلا يصلي في هذا الوقت.
فأوقات المنع يسيرة جداً وسهلة، وعليه أن ينتظر إلى أن تعدي الشمس ويخرج من الخلاف ثم يصلي, وغير ذلك في باقي الأوقات من ليل أو نهار فله أن يصلي في ذلك, وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع)، فمن وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع في نظر الناظر، حيث إذا نظر إلى الأفق يجد الشمس طالعة من تحت الأفق, وبدأ حاجب الشمس المنحنى العلوي للشمس يطلع إلى أن يصبح قرص الشمس فوق الأرض، هذا الوقت كله أنت ممنوع من الصلاة في, وهو حوالي ربع ساعة فهو مقدار يسير, فتكون الشمس ليست ملامسة للأرض، فتجوز الصلاة بعد ذلك, قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس, وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)، فالشمس عندما تبدأ تشرق كانت تحت الأفق, ويبدأ حاجب الشمس المنحنى العلوي لقرص الشمس يظهر, والعكس في ذلك: الشمس في وقت الغروب تكون فوق الأرض، ويبدأ المنحنى السفلي لها ينزل إلى تحت, وهنا في وقت الطلوع تطلع الشمس شيئاً فشيئاً إلى أن تكون فوق الأرض, وفي الغروب تنزل الشمس شيئاً فشيئاً إلى أن تكون تحت خط الأفق في الأرض, ففي هذين الوقتين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؛ لأنها تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان, فهذه أوقات يسيرة, وفي الظهر ذكر هنا في الحديث: (حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس)، فالشمس في وقت الظهر تكون فوق الرءوس، وبعد ذلك ستميل إلى ناحية الغرب, وعندما تكون الشمس فوق رأسك سيكون ظلك كله على جسدك، وحين يقوم قائم الظهيرة تكون الشمس فوقك مستقيمة حتى تميل, فإذا مالت الشمس شيئاً إلى ناحية الغرب يبدأ ظلك يذهب إلى ناحية الشرق، ففي هذا الوقت لك أن تصلي، وهذا وقت يسير حوالي دقيقة أو نحو ذلك, فهذا هو الوقت الممنوع من الصلاة فيه وهو قبل صلاة الظهر.
وجاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز, وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب, ولا تحينوا بصلاتكم) قوله: (لا تحينوا) فيه إدغام، والأصل: لا تتحينوا, فلا تختار هذا الوقت لتصلي فيه, قال: (ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان).
وكذلك جاء في صحيح مسلم عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! هل من ساعة يبتغى ذكرها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم, إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن؛ فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان, وهي ساعة صلاة الكفار، فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رمح, ويذهب شعاعها, ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار؛ فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر)، فالعلة في المنع من الصلاة قبيل الظهر مباشرة أنها تسجر فيها جهنم والعياذ بالله، أي: تسعر فيها نار جهنم, قال: (فدع الصلاة حتى يفيء الفيء) أي: حتى يرجع الظل إلى المكان الآخر، قال: (ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس؛ فإنها تغيب بين قرني شيطان، وهي صلاة الكفار)، هذا الحديث رواه الإمام مسلم والنسائي، وهذا النص الذي رواه النسائي.
فبعدما تطوف بالبيت تصلي في أي وقت, فقد جاء في سنن الترمذي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)، هذا الحديث فيه العموم في الناس، والحديث الآخر فيه العموم في الزمان, فكأنه تعارض عمومان: الأول: أنه نهى عن الصلاة في ثلاثة أوقات، فهو عموم في الزمان, ولكل الناس المصلين في هذه الأوقات الثلاثة, فممنوع أن تصلي فيها صلاة النافلة أو أن تؤخر الفريضة إليها, فهذا الحديث الذي وجهه لبني عبد مناف فيه العموم في هذا المكان لجميع الناس، فكل من أتى إلى هذا البيت من الناس يريد الطواف والصلاة في أي وقت شاء فله ذلك، وعموم الأوقات أيضاً في أي وقت في أي ساعة من ليل أو نهار, والحديث الأول فيه: أنه ثلاث ساعات مخصوصات لا تصلوا فيها, فهل يحمل أحد العمومين على الآخر فيخص به أو يترك كل على حاله؟ فيقال: إن عموم الزمان خص بمكة وحدها في الطواف بالبيت, وفي هذه الحالة من طاف وأراد أن يصلي فليصل، وهذا مخصوص من عموم النهي, أو يقال: لا، هنا أي ساعة من ليل أو نهار عموم، وهو مخصوص بالنهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات, فهنا تعارض النهي عن الصلاة مع الأمر بها، وقوله: (اتركوا) هنا النهي يكون جانبه أقوى, فعلى ذلك اخترنا فيها جانب النهي (اتركوا)، خاصة أن النهي سيكون في أوقات يسيرة قليلة سهلة على من كان هنالك أن يترك الصلاة فيها, ولو أخذ بهذا العموم وصلى في أي وقت فلا ينكر عليه, ولكن الأولى ما ذكرنا: أنه لو طاف بالبيت في أي ساعة من ليل أو نهار وأراد الصلاة صلى في أي ساعة من ليل أو نهار، سواء صلاة ركعتي الطواف وغيرها، إلا أن تكون في هذه الأوقات اليسيرة, قبل الظهر بدقيقة, وبعد طلوع الشمس بحوالي عشر دقائق أو ربع ساعة، وعند غروب الشمس إلى أن تغرب حوالي عشر دقائق أو ربع ساعة, فليؤخر الصلاة حتى يصليها بعد ذلك.
ولذلك جاء عن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه كان يصنع ذلك, فجاء أنه طاف بعد صلاة الصبح فلم يصل، وخرج من مكة حتى نزل بذي طوى فصلى بعد ما طلعت الشمس, وهذا رواه الإمام مالك في موطئه بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن عبد القاري: (أنه طاف بالبيت مع عمر رضي الله عنه بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى ركعتين سنة الطواف وفيه أنه يجوز تأخير الركعتين لسبب من الأسباب.