تستحب خدمة المسافر الذي له نوع فضيلة، فعلى المسافر أن يكون نفاعاً لمن حوله يخدم من حوله من غير أن يشق على نفسه، والسفر قطعة من العذاب، ولعلك تعين إنساناً يدعو لك فييسر الله عز وجل لك أمرك، ويتقبل منك عبادتك؛ بسبب دعوة هذا الإنسان الذي أعنته.
فهنا يستحب أن يخدم من له نوع فضيلة معينة، ويأتسي بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يكون علمك في يوم من الأيام، أو أعانك في يوم من الأيام، أو لم يعلمك أنت ولكن علم غيرك أو أعان غيرك، أو عرفت منه كرماً في شمائله وكرماً في خلقه، فيستحب أن تخدم مثل هذا الإنسان، فقد جاء في الحديث أن أنساً رضي الله تعالى عنه قال:(خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في سفر فكان يخدمني)، وجرير بن عبد الله البجلي كان ملكاً في بجيلة في قومه، وقد أسلم وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان غاية في الجمال، والنبي صلى الله عليه وسلم شبهه بيوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فكان له منزلة في قومه وكان ذا جمال فيهم، وقد مدحه النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان جرير رضي الله عنه أكبر سناً من أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، ومع ذلك يقول أنس: خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني، فقلت له: لا تفعل).
وهذا أدب من أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، كأنه يقول: أنت أكبر مني سناً فكيف تخدمني؟! فقال:(إني رأيت الأنصار) يعني: لست أنت وحدك فقط، بل أخدمك وأخدم الأنصار كلهم، قال رضي الله عنه:(إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً آليت -أي: أقسمت وحلفت- ألا أصحب أحداً منهم إلا خدمته)، فالأنصار لم يعملوا له شيئاً، ولكن عملوا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وخدموا النبي صلى الله عليه وسلم، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرواحهم وأموالهم، وآووه ونصروه صلوات الله وسلامه عليه، فـ جرير رضي الله عنه عرف لهم ذلك، وكان إسلامه رضي الله عنه متأخراً، فعرف فضل هؤلاء السابقين، فأقسم أنه لا يصحب أحداً من هؤلاء الأنصار إلا ويخدمه رضي الله تعالى عنه.
يقول الراوي:(وكان جرير أكبر من أنس رضي الله عنهما).