للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف العقيقة ومشروعيتها]

العقيقة: هي اسم لما يذبح عن المولود، فإذا ولد لك مولود فتذبح عن هذا المولود ما يسمى بالعقيقة.

والعقيقة سنة متأكدة، حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها، وبينها عليه الصلاة والسلام، فروى البخاري تعليقاً عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى).

قوله: (مع الغلام عقيقة) أي: مع مولد الغلام عقيقة تعق عنه.

(فأهريقوا عنه دماً) أهرق بمعنى: أراق، وإما أن تذبح عنه من الغنم أو من غيرها من بهيمة الأنعام.

(وأميطوا عنه الأذى) وجاء في حديث آخر: أنه يحلق شعره في يوم سابعه.

وفي السنن عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه)، فالسنة أن تذبح هذه العقيقة في اليوم السابع (ويحلق ويسمى) ويحلق في يوم سابعه ويسمى كذلك، وكلمة (العقيقة) ذكرنا أنها اسم لما يذبح عن المولود، واستحب بعض أهل العلم أن يقال: النسيكة.

وكلمة (العقيقة) قالوا: مشتقة من العق وهو بمعنى: القطع أو الشق؛ لأن العقيقة ذبح، ولذا لا يصح أن نشتري لحماً من السوق بالكيلو، فالعقيقة لابد فيها من الذبح؛ ولذلك اختار الإمام أحمد رحمه الله: أنها مأخوذة من العق وهو الشق والقطع؛ لأنك تقطعها وتشقها عندما تذبحها، فتقطع أوداجها ومريئها وحلقها.

وذكر بعض أهل العلم ومنهم أبو عبيد الأصمعي أنه سميت الشاة التي تذبح عنه في هذه الحال بالعقيقة؛ لأنها تذبح في الوقت الذي يُحلق عنه شعره.

قال في الحديث: (كل غلام رهينة)، و (كل) لفظ مطلق، فسواء ذكراً كان أو أنثى، ولفظ (الغلام) يطلق على الذكر، ولكن أطلق هنا من باب التغليب، والمقصود منه: كل من يولد له ذكر أو أنثى فعليه هذه العقيقة.

وقوله: (رهينة) بمعنى: مرهون، يقال: هذا مال راهن بمعنى: باق قاعد، ومنه (الرهن) عندما يكون عليك دين لإنسان يقول لك: هات رهناً، أي: ضع عندي شيئاً أثبته عندي حتى تقضي هذا المال وإلا أخذت مالي من هذا الذي أودعته إياي.

فقوله: (مرهون) كأنه ثابت وواقف لا يتحرك إلا بهذه العقيقة، وفسر الإمام أحمد هذا فقال: إن الغلام لو مات وهو صغير فإنه يسبق أبويه إلى الجنة ويشفع لهما، ولا يزال يأخذ بأيديهما ويحاج عنهما حتى يدخلهما الجنة، فقال: هذا الغلام مرتهن في شفاعته للوالدين بهذه العقيقة حتى تذبح عنه، هذا اختيار الإمام أحمد رحمه الله.

وقال ابن الأثير في (النهاية): العقيقة لازمة لابد منها؛ لحديث: (كل غلام رهين بعقيقته) بمعنى: أنها ملازمة له، فهذه العقيقة لابد منها، والمقصد: التأكيد، فكما الرهن لابد أنك تفك رهنك، كذلك الغلام لابد أن تعق عنه، فقال: إن العقيقة لازمة له، ولابد منها، فشبه المولود في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن.

قال التربشتي: أي: أنه كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع به دون فكه، فمثلما يكون عندك مال مرهون عند شخص، فتأتي وتقول له: أريد أن أشتغل بهذا، فيقول لك: لا، حتى تدفع الثمن الأول، وكذلك الغلام إذا أردت أن تنتفع به وينالك من بركة الله عز وجل عليه ونفعه لك لابد أن تعق عنه هذه العقيقة، فتستفيد من شكر النعمة، والبركة من وراء هذا الغلام.

كذلك قالوا من معانيها: أنه أراد بذلك أن سلامة المولود ونشأه على الخصال المحمودة مرتهن بهذه العقيقة، أي: أن ينشئه الله عز وجل تنشئة سليمة وفاضلة، فيكون مرهوناً بهذه العقيقة، وأنه يكون على خير بعد ذلك.

وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً).

ورواه النسائي بلفظ: (عق رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين كبشين)، هذا صحيح وهذا صحيح، والحسن والحسين هذا وجد مرة وهذا وجد مرة، فيكون إما هذا وإما ذاك.

أو يجمع بينهما فيقال: كلا الأمرين صحيح، أنه وجد مالاً يسيراً فعق عن هذا بكبش وعن هذا بكبش، فلما رزقه الله عز وجل أكمل العقيقة فعق عن هذا كبشين، وعن هذا كبشين، وهذا الجمع أولى من رد أحد الحديثين.

الخلاصة: أن الكبش الواحد يجزئ، والأفضل الكبشان؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته وقوله عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>