للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حد السكين وإراحة الذبيحة]

الأول: يستحب تحديد السكين وإراحة الذبيحة؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تحسن الذبح، وأخبر أن الله سبحانه أمر بذلك، أي: أمر الله بالإحسان في كل شيء، فإذا قتلت -أي: في الجهاد في سبيل الله عز وجل- فلا تعذب أحداً من خلق الله بالتمثيل ونحوه، وإنما تجاهد وتقاتل لإعلاء كلمة الله على وفق شرع الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح) أو (أحسنوا الذبحة)، كما هي في رواية أخرى، ثم قال: (وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، إذاً: فتحد الشفرة التي هي السكين وتريح ذبيحتك.

وجاء في حديث السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر)، فأمر بسن المدية التي هي السكين، قالت: (ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبح).

إذاً: فيستحب أن يحد السكين عند إرادة الذبح، وهذا من الآداب العظيمة الجميلة في ديننا الذي يقتضي الرحمة بالحيوان، والرحمة في ديننا شيء حقيقي ينبع من قلب المؤمن، وليست أموراً إعلامية فنظهر لأجلها في التلفزيون، أو من أجل أن نقول: نحن عندنا رحمة، وعندنا ديمقراطية، وعندنا كذا، وإنما هي آداب عظيمة من ديننا، نتقرب إلى الله عز وجل بها، ليس كما يفعل من إذا كان أمام الناس يظهر الرحمة وأنه من أسمح الناس خلقاً، وإذا كان بعيداً عنهم يعذب ويقتل ويفعل ما يشاء، إذاً: فنستفيد من هذا الرحمة بالحيوان.

وانظر في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته)، الرجل كان مضجعاً للشاة ووضع رجله عليها، ويسن السكين وهي تلحظ إليه ببصرها، وتعرف أنه سيذبحها بهذه السكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفلا قبل هذا؟!)، أي: هلا سننت السكين قبل إضجاعك لها بعيداً عنها؟! (أتريد أن تميتها موتتين؟!)، أي: بهذا الذي تفعل، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أنه يسن سكينه أمام الذبيحة.

وفي رواية قال: (أتريد أن تميتها موتات؟! هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها؟!)، أي: فتسن السكين قبل أن تضجعها.

إذاً: فيستحب ألا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وألا يذبح واحدة بحضرة أخرى، إلا أن يضيق المكان، أما إذا كثرت الذبائح وضاق المكان فلا بأس، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح أو نحر ست أو سبع بدنات وكلهن يزدلفن -أي: يتقربن- بأيتهن يبدأ، وكذلك نحر إبله فما كان يجعل واحدة وراء الثانية، ولكن إذا تيسر للإنسان أن يذبح الذبيحة وليست أمام الأخرى فهذا الأفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>