[صفة الطواف الكاملة]
إذا دخل المسجد فليقصد الحجر الأسود، وهو في الركن الذي يلي باب البيت من جانب المشرق، ويسمى: الركن الأسود، ويقال له وللركن اليماني: الركنان اليمانيان، فأول ما يبدأ به هو استلام الحجر الأسود، فيستحب أن يستقبل الحجر الأسود بوجهه، ويدنو منه، ومن لم يستطع أن يدنو من الحجر الأسود ويستلمه فيستقبله بوجهه من أي مكان هو فيه في محاذاة الخط الأسود، حيث قد وضع خط أسود أمام الحجر الأسود إلى نهاية صحن المسجد، بحيث من يكون واقفاً عليه يعلم أنه يستقبل الحجر الأسود.
وبالطبع فإن هذا الخط ليس له أي فضيلة، وللأسف فإن بعض الناس من الجهلة يظن فيه ذلك، ويصر أن يصلي ركعتين فوق هذا الخط، وهذا من البدع الكثيرة التي وقع فيها كثير من الناس؛ ولذلك فالإنسان المؤمن ينبغي عليه أن ينصح وهو في هذا المكان، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يجادل.
إذاً: يستقبل الحجر الأسود من دون أن يؤذي أحداً بالمزاحمة، فإذا دنا منه كان خيراً، وإن لم يستطع أن يدنو منه فيشير إليه من المكان الذي هو فيه، وإذا كان قريباً منه استلمه، والاستلام: هو وضع اليدين عليه، ويقول: باسم الله، والله أكبر، ثم يقبله من غير صوت، أي: لا يرفع الصوت بالتقبيل؛ لأن هذا من الاحترام والخشوع في ذلك المكان، ثم إذا استطاع أن يسجد برأسه فوق الحجر فعل ذلك.
ثم يبتدئ الطواف ويقطع التلبية عند شروعه فيه، وله أن يذكر الله عز وجل بما شاء، بقراءة قرآن، أو تسبيح، أو تحميد، أو دعاء، ولكن ليحذر من رفع الصوت، فكثير من الناس وهو يطوف بالبيت تجده يدعو ممسكاً في يده كتاب أدعية، ويدعو بصوت مرتفع، ويصيح، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال لأصحابه: (اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعاً بصيراً، وهو معكم سبحانه وتعالى)، فهنا لا ترفع صوتك، ولا تشوش على غيرك، فإنك ستجد أناساً يدعون ربهم سبحانه، وآخرين يريدون أن ينتبهوا لما يقولون، ولكن لا يستطيعون بسبب صياح الناس ورفع الأصوات، فلا ينبغي أن تشوش على الناس في هذا المكان، ودع كل واحد يدعو من غير أن تشوش عليه برفع الصوت.
أيضاً: تجد بعض الناس في أيديهم أدعية، ويقولون: هذا دعاء الشوط الأول، وهذا دعاء الشوط الثاني وهكذا، فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل لكل طواف دعاء، ولكن ادع بما شئت في كل طواف، إنما الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه بين الركنين كان يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وكما قلنا: يبتدئ الطواف ويقطع التلبية، ويضطبع مع دخوله في الطواف، فإن اضطبع قبله بقليل فلا بأس، فلعله يصعب عليك أن تبتدئ الاضطباع وأنت عند الحجر وذلك بسبب زحمة الناس، فلا تستطيع أن تفعل ذلك، ففي هذه الحالة تفعل ذلك عند دخولك المسجد فهذا جائز، والاضطباع قد عرفنا أنه كشف المنكب الأيمن.
وعليه فصفة الطواف: أن يستقبل الحجر الأسود، وينوي الطواف لله سبحانه، وهذه النية هنا مستحبة، ثم يمشي إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر، إذاً يستقبل البيت بوجهه، ولو استقبل البيت بجانبه فطوافه صحيح، ولكنه خالف السنة؛ لأن السنة أن تستقبل البيت، ثم بعد ذلك تجعل شمالك باتجاه البيت.
ولو أنه في طوافه جعل وجهه للبيت وظل يطوف على هذه الهيئة، فهذا مخطئ في ذلك، وليس هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن طوافه صحيح.
فإذا جاوز الحجر جعل يساره إلى البيت ويمينه إلى الخارج -كما قلنا- وهذه الهيئة كهيئة الإمام مع المأموم، كأن البيت إمام لك، وأنت المأموم.
فلو فعل هذا من البداية، أي: ترك استقبال الحجر، بمعنى أنه بدأ من عند الحجر وشماله للبيت وبدأ الطواف فوراً، فطوافه صحيح، ولكنه خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الفضيلة في ذلك.
ثم يمشي هكذا تلقاء وجهه طائفاً حول البيت، شماله للبيت ويمشي للأمام، فيمر على الملتزم، وهو المكان الذي بين الحجر وباب البيت، وسمي الملتزم لأن الناس يلتزمونه للدعاء، أي: يحتضنونه ويلتزمونه التزاماً، تقول: التزمت فلاناً، أي: احتضنته، فكأنهم يلتزمون هذا المكان للدعاء، وفيه فضيلة.
ثم يمر إلى الركن الثاني بعد الحجر الأسود، ثم يمر وراء الحجر، فهنا يكون قد وصل إلى الركن الشامي، ثم يمشي من وراء السور -الحجر- إلى أن يصل إلى الركن الشامي الآخر، وهو الركن الثالث، ويقال لهذا الركن مع الذي قبله: الركنان الشاميان.
وقد عرفنا أن الكعبة على هذه الهيئة: فيها الحجر الأسود في الركن اليماني الأول، ثم الركن الشامي، ثم الركن الشامي الثاني، ثم الركن اليماني الثاني.
فالركن اليماني الذي لا يوجد فيه الحجر الأسود هو الذي يشرع أن تستلمه فقط من غير تقبل، والركن اليماني الذي فيه الحجر الأسود هو الذي يشرع فيه الاستلام والتقبيل والسجود عليه بحسب المستطاع أو الإشارة إليه.
ثم يدور حول الكعبة حتى ينتهي إلى الركن الرابع المسمى بالركن اليماني، ثم يمر منه إلى الحجر الأسود فيصل إلى الموضع الذي بدأ منه، فيكمل له حينئذ طوفة واحدة، ثم يكمل السبعة على هذه الصفة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.