ومنها: ما هو شرط للوجوب فقط: وهو الشرط الخامس، وهو: الاستطاعة، ويدخل تحت الاستطاعة إمكان المسير وأمان الطريق، فلو تجشم غير المستطيع المشقة وسار بغير زاد وراحلة فحج كان حجه صحيحاً ومجزئاً، لأن هذا شرط للوجوب، فحتى نقول: وجب عليك الحج وتأثم بعدم الأداء لا بد أن تكون مستطيعاً لهذا الحج، فإذا كان مستطيعاً مع الشروط الماضية فنقول: يلزمك أن تحج لأنك الآن مستطيع.
إذاً: شروط وجوب الحج خمسة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، فإذا كان هذا الإنسان جمع هذه الشروط، فنقول له: يجب عليك أن تذهب وتحج؛ لأنك مستطيع.
ولو أن غير المستطيع حج فنقول: حجه صحيح، أي: لو تجشم مع كونه لا مال له، ولا زاد معه، وحج ماشياً أو راكباً، استدان وحج وهو لا يجب عليه، فنقول: صح منه حجه.
والكافر الأصلي لا يطالب بفعل الحج، وفرق بين الكافر الأصلي والمرتد، فالمرتد كان مسلماً ثم بعد ذلك فعل أو قال أو اعتقد ما يخرجه عن الملة والعياذ بالله! لكن الكافر الأصلي لم يدخل في الإسلام أصلاً، فعلى ذلك هذا الكافر الأصلي لا يطالب بفعله، سواء كان مستطيعاً أو غير ذلك، فغير المستطيع لا يطالب بما على المستطيع، وإن سئل يوم القيامة عنه سواء كان حربياً أو ذمياً أو كتابياً أو ثنياً، وكذلك المرأة والرجل كل هؤلاء لا يخاطبون بفعل ذلك، فإذا أسلم هؤلاء لم يخاطبوا بما فاتهم، فلو أن إنساناً كافراً في حال كفره صار مفلساً وأسلم بعد ذلك، فلن نقول له: أنت كنت غنياً ولذلك وجب عليك الحج، بل لا يجب عليه الحج الآن؛ لأنه ما كان في الماضي في الجاهلية يهدمه الإسلام، فكل ما كان عليه هذا الإنسان من مال ومن غنى وضاع منه هذا المال الآن بعد أن صار مسلماً، فإنه يخاطب على ما هو عليه الآن؛ لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الإسلام يهدم ما كان قبله)، وفي رواية:(يجب ما قبله)، فإذا كان هذا الإنسان مستطيعاً قبل ذلك، وأراد أن يحج، فنقول: لا يقبل منك؛ لأنك كافر، فهذا مع الكفر لا يقبل منه العمل، فلو أنه أسلم وصار مفلساً ولا مال معه فلا يكلم ولا يخاطب بما كان عليه قبل ذلك في أيام جاهليته؛ لأن الإسلام يجبُّ ما كان عليه قبل ذلك من شرك.
فإن استطاع في حال كفره ثم أسلم وهو معسر لم يلزمه الحج، إلا أن يستطيع بعد ذلك على ما ذكرنا؛ لأن الاستطاعة في الكفر لا أثر لها.
وأما المرتد فيجب عليه، فإذا استطاع في ردته ثم أسلم وهو معسر فالحج مستقر في ذمته بتلك الاستطاعة، وفرق بين الاثنين: فالكافر الأصلي لا يخاطب بأفعال الإسلام إلا أن يخاطب بالتوحيد ويؤمر به، لكن المرتد مطلوب منه حالاً أن يرجع إلى دين الله سبحانه وتعالى، وإلا فإن حد الله عز وجل يقام عليه فيقتل لردته، فما دام أنه حي ومخاطب بأحكام الإسلام فليس من حقه أن يكفر وأن يرتد عن دين الله سبحانه وتعالى، فالمرتد يجب عليه إن كان غنياً في حال ردته، وهو مطالب بأن يسلم ومطالب بأن يحج بعد ما يرجع إلى دين الله سبحانه وتعالى.
فإن استطاع في حال ردته ثم أسلم وهو معسر فالحج مستقر عليه، فإن قدر بعد ذلك لزمه أن يأتي به.
أما الإثم بترك الحج فيأثم المرتد؛ لأنه مكلف به في حال ردته.