وإذا قبل الحجر الأسود فلا يرفع صوته بالتقبيل بل يقبل بغير صوت، فلا يظهر للقبلة صوتاً, وإذا منعته الزحمة ونحوها من السجود عليه وأمكنه الاستلام استلم, فلا يزاحم الناس ولا يدفعهم، ولا يؤذي أحداً من الناس، ولكن إن قدر على أن يفعل ما ذكرنا فعل، فيستلم من بعيد، ويضع يده إن استطاع فيمرها على الحجر الأسود, وإذا استلم بيده فيقبلها، وهذا من السنة، أنك تقبل الحجر أو تقبل ما يلمس الحجر سواء بيدك أو بشيء في يدك, فإن لم يمكنه سواء كان قريباً أو بعيداً أشار بيده، فإذا كان بعيداً يرى الحجر الأسود ويقبله من بعيد مثلاً فهذه ليست سنة، ولا يستلم الحجر بمحجن أو عصا، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان سهلاً، أما الآن فلا يفعل؛ لأن الزحام شديد فقد يمد العصا فيخذف بها عين إنسان، فلا يفعل ذلك، ولكن إذا استطاع بيده فعل، وإذا لم يستطع من شدة الزحام أشار بيده.
إذاً: إما أن يقبل بفمه، فإن لم يقدر فيستلمه بيده، وإن كان المكان يسمح له بأن يمد شيئاً إلى الحجر ويقبله فعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا أشار من بعيد باليد إلى الحجر فهل يقبل يده أو لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: فالجمهور على أنه لا يقبل يده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار بمحجن في يده ثبتت عنه أنه كان يقبل المحجن عليه الصلاة والسلام، فذكروا أن المحجن لمس الحجر ولذلك قبله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يمس الحجر فلا يقبل, والإمام النووي اختار أنه إذا أشار بيده قبل يده، وإذا أشار من بعيد أيضاً قبل يده؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)، فقال: إن لم يتمكن من الاستلام أشار بيده أو بشيء في يده للاستلام, ثم قبل ما أشار به، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم).
واحتج الجمهور بما جاء في الصحيحين عن ابن عباس قال:(طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن)، وفي صحيح مسلم عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن)، فالجمهور على أن الشيء الذي يلمس الحجر هو الذي يقبل، سواء كانت اليد أو المحجن والأمر في ذلك يسير، فإن لم يتمكن قلنا: إنه يشير بيده أو يشير بشيء في يده.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال:(طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده) فالسنة أنه كلما أتيت إلى الركن تشير إليه إذا كنت بعيداً، وإذا كنت قريباً قبلته, ولـ مسلم عن سويد بن غفلة قال:(رأيت عمر رضي الله عنه قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفياً)، أي: مكرماً لك, وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فبحسب ما يتيسر له من أنه يقبل الحجر أو يشير إليه بيده فيقبل يده, أو يشير بشيء في يده ويقبل هذا الشيء إذا لمس الحجر, وعن نافع قال:(رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).