من كان صحيح البدن، وعنده الزاد والراحلة، وعنده نفقة الأهل الموجودين والكسوة والمسكن وغير ذلك، لكنه يريد أن يتزوج، فهو بين خيارين: إما أن يحج بالمبلغ الذي معه، وإما أن يتزوج به، فهذا الذي يريد الزواج: إما أن تتوق نفسه إلى النكاح ويخشى على نفسه العنت، وإما أنه لا يخشى على نفسه العنت، ففي هذه الصورة الثانية يلزمه أن يحج.
وأما في الصورة الأولى: إذا كان يخشى على نفسه العنت فيجب عليه أن يتزوج بهذا المال، ثم بعد ذلك يحج إن وجد ما يتيسر له معه الحج.
وقد ذكر الإمام النووي في هذه المسألة أنه إذا كان واجداً للنفقة التي تمكنه من الحج فإنه يكون مستطيعاً، ثم يقول: صرح خلائق من الأصحاب أنه يلزمه الحج ويستقر في ذمته، ولكن له صرف هذا المال في النكاح وهو أفضل.
فكأنه يريد أن يقول: إذا كان لا غنى له عن الزواج الآن ويخاف على نفسه العنت وعنده مال، فقد وجب عليه الحج، ولكن يصرف هذا المال في النكاح، ولأن الحج قد وجب فعليه أن يجمع المال بعد ذلك ويحج.
هذا قول من الأقوال، وقد عللوا لهذا القول بأن صرف المال في النكاح أفضل في هذه الحالة وإن كان ليس واجباً، ويبقى الحج في ذمته؛ لأن النكاح من الملاذ ولا يمنع وجوب الحج، لكن هذا القول فيه نظر؛ لأن هذا المال إما أن يصرفه في الحج وإما أن يصرفه في النكاح، فإن صرفه في النكاح فنقول له: أنت واجب عليك الحج؛ لكن لأنك خائف من العنت ومن الوقوع في الزنا والعياذ بالله، فقدم النكاح، فهنا أمامه واجبان: الحج واجب، والنكاح مع خوف العنت والوقوع في الزنا واجب، فإذا قلنا: اصرفه في النكاح لأنه واجب، فكيف سنقول: يجب عليه الواجب الآخر وهو الحج وهو لا يجد ما ينفق فيه؟! وينبني على هذه المسألة ما ذكره الإمام النووي عن خلائق من الشافعية: أنه إذا توفي هذا الإنسان صار الحج ديناً عليه، مع أنه ليس لديه مال الآن إذا توفي، لكن الراجح: أنه إذا أنفق هذا المال في النكاح الذي وجب عليه انتفى عنه وجوب الحج؛ لأنه صار غير مستطيع الآن، فلا يجب عليه الحج مع عدم الاستطاعة، فإن لم يخف العنت، ولم يخف الوقوع في الزنا قدم الحج؛ لأن النكاح في هذه الحالة تطوع والحج فريضة واجبة فيكون الحج هو الواجب.