المجنون إما أن سيحج وحده فلا يصح منه ذلك؛ لأنه لا عقل له فلا يصح منه الحج، وإما أن إنساناً آخر يقوم معه بالحج فينوي عنه ويأخذه إلى المناسك، ويقف به في عرفة، فهذا أمر آخر، فيصح منه كثواب له، أي: كثواب لهذا الإنسان، لكنها ليست حجة الإسلام؛ لأن المجنون لا تجب عليه حجة الإسلام.
روى أصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق).
وفي رواية:(رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصغير حتى يكبر)، إذاً: هؤلاء رفع عنهم قلم الإثم، وقلم التكليف، وأجمعت الأمة على أنه لا يجب الحج على المجنون.
فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولكن لو حج به وليه فحكمه حكم الصبي الصغير الذي رفعته المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم.
والمغمى عليه يعتبر غير مفيق، وحكمه حكم المجنون؛ لأنه لا عقل له في هذه الحالة، فلا يصح منه حج الفريضة، ولو أن إنساناً أغمي عليه من أول الإحرام وعند إرادة الإحرام أخذ وهو مغمى عليه، أي: لم يحرم عن نفسه وحملوه وأخذوه إلى عرفة أو إلى مزدلفة وغيرها، وطافوا به وسعوا به فكل هذا لا يصح منه كحجة الإسلام، فالمغمى عليه: لا يجوز أن يحرم عنه غيره؛ لأنه ليس لديه عقل، ويرجى برؤه عن قريب، فهو كالمريض، فلا يطاف ولا يفعل به أفعال الحج إلا إذا كان قد أفاق من إغمائه، فعلى ذلك يحمل طالما أن عقله موجود معه.
فالإنسان الذي يفيق كالإنسان الذي تأتيه نوبات الصرع وتطول معه، وتمكث معه أياماً وهو مصروع فيذهب عقله ثم يفيق بعد ذلك، ثم يذهب عنه عقله وهكذا، فالذي يجن ويفيق إذا كان في خلال مدة الإفاقة يتمكن فيها من الحج ووجدت الشروط الباقية لزمه الحج، وإلا فلا.
وإذا كان يأتي له الجنون في فترة أو في فصل معين من السنة وفي فصول أخرى لا يأتيه الجنون، وحج به في خلال ذلك وهو مفيق فالحج منه صحيح.
ولو سافر الولي بالمجنون إلى مكة فلما وصل إلى مكان الإحرام أفاق فأحرم صح حجه وأجزأه عن حجة الإسلام، ولو فرضنا أن هذا الإنسان أخذه وليه ليحج به وهو مجنون، وأخذ يعمل عنه المناسك، فإذا كان على هذه الحالة فلا يصح منه عمل بالمباشرة، وإنما الذي يصح فعل الغير عنه، فحكمه حكم الصبي الصغير، ويكون حجه تطوعاً، وليس حجة الفريضة، لكن لو فرضنا أنه أدرك ورجع إليه عقله ففعل المناسك وأداها، فعلى ذلك تصح عنه حجة الإسلام، حتى لو كان في البداية مجنوناً ثم رجع عقله هنالك.
ويشترط لصحة مباشرته بنفسه للحج إفاقته عند الإحرام والوقوف والطواف والسعي، أي: عند أداء الأركان لابد أن يكون عقله حاضراً؛ فإذا كان أثناء هذه الأفعال مفيقاً عاقلاً: عند الإحرام والطواف والوقوف بعرفة والسعي، فعلى ذلك حجه صحيح.