[أحوال الصبي والعبد إذا حجا وبلغ الصبي وأعتق العبد]
فإن أحرم الصبي بالحج ثم بلغ أو العبد ثم أعتق فلهما أربعة أحوال: الحالة الأولى: أن يكون البلوغ والعتق بعد فراغ الحج، كصبي صغير عمره ثلاث عشرة سنة، فلما حج وانتهى من المناسك بلغ، فهذه الحجة لا تجزئ عن حجة الإسلام.
كذلك إذا حج العبد وبعد ما انتهى من الحج أعتقه سيده فلا يجزئ عن حجة الإسلام وإنما هو تطوع، ويلزمه إن استطاع بعد ذلك حجة الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى).
الحالة الثانية: أن يكون البلوغ والعتق قبل الفراغ من الحج، لكنه بعد خروج وقت الوقوف بعرفات، أي: خرج وقت الوقوف بعرفات بمضي ليلة العيد حتى طلع الفجر في يوم العيد، فليس هناك وقوف بعرفة، فلو أن هذا الإنسان كان عبداً ووقف بعرفات حتى غربت الشمس وذهب إلى المزدلفة قبل الفجر فقال له سيده: أنت حر فصار حراً، فعليه أن يلحق ويذهب إلى عرفات فيقف بعرفات حتى تكون له هذه حجة الإسلام.
وكذلك إن كان الصبي خرج من عرفات ووصل إلى المزدلفة ثم نام فاحتلم بالليل وصار بالغاً، فإنه يرجع إلى عرفة ليقف فإن وقف يجزئ ذلك عن حجة الإسلام، لكن إذا لم يقف بعرفة حين بلغ أو أعتق فلا تجزئ هذه الحجة عن حجة الإسلام؛ لأنهما لم يدركا وقت العبادة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة).
الحالة الثالثة: أن يكون بلوغ الصبي أو عتق العبد قبل الوقوف بعرفات أو حال الوقوف، فتصح وتجزئ عن حجة الإسلام.
الحالة الرابعة: أن يكون بعد الوقوف بعرفات وقبل خروج وقت الوقوف، فإذا رجع إلى عرفة صحت منه الحجة، ولو فرضنا أنه بلغ وهو في مزدلفة قبل الفجر فرجع إلى عرفة ووقف ولو لحظة من الليل قبل طلوع الفجر صحت منه الحجة، وكذلك العبد الذي أعتق لو رجع إلى عرفة قبل طلوع الفجر صح منه الحج.
ولو لم يعد هذا ولا ذاك إلى عرفة حتى طلع الفجر لم يجزئ عن حجة الإسلام وكان تطوعاً، فإذا أجزأه عن حجة الإسلام فالذي سنقوله عن الصبي الذي بلغ سنقوله عن العبد الذي أعتق.
ولو فرضنا أن هذا العبد الذي قد أعتق كان حجه مفرداً، وهو في حال رقه قدم فطاف طواف القدوم بالبيت، وسعى بعدها سعي الحج، ثمَّ وقف بعرفة وهو عبد، ثمَّ توجه إلى مزدلفة بالليل فأعتق ورجع إلى عرفات ووقف بها، فالسعي الذي سعاه قبل ذلك كان عن حجة التطوع، ويلزمه الآن سعي الركن الذي هو عن حجة الإسلام.
إذاً: لا بد أن يسعى الآن، يطوف طواف الركن ويسعى بعده مرةً أخرى؛ لأن السعي الماضي لا يجزئ عن حجة الإسلام.
إذاً: لا بد من السعي؛ لأنه ركن قد وقع في حال النقص فوجب إعادته، بخلاف الإحرام فإنه مستدام، فلا نقول له: رجع وأحرم من الميقات مرةً ثانية؛ لأن وقت الميقات قد مضى، لكن السعي ما زال الوقت باقياً، والإحرام مستدام، أي: في كل وقت هو محرم، ولا يلزمه في ذلك دم لا إساءة ولا تقصير.
والطواف في العمرة مثل الوقوف في الحج؛ إذ إن الطواف في العمرة ركن من الأركان كالوقوف في الحج، والطواف متفق على أنه ركن في العمرة، لكن السعي مختلف فيه هل هو ركن من أركان العمرة، أم هو واجب من واجباتها، أم هو سنة فيها؟ فلو أنه طاف بالبيت فأعتق قبل الطواف أو بلغ الصبي قبل الطواف صارت العمرة الواجبة عليه.
وإذا أعتق بعد ما طاف بالبيت، فهذا ركن من أركان العمرة، فالطواف في العمرة كالوقوف في الحج، فإذا بلغ أو أعتق قبله أجزأته عن عمرة الإسلام، وكذا لو بلغ أو أعتق في أثناء طوافه بالبيت، وإذا كان بعده فلا.