للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم مزاولة الحاج للتجارة]

يستحب للحاج أن يكون متخلياً عن التجارة ونحوها في طريقه، فإن خرج بنية الحج والتجارة فحج واتجر صح حجه وسقط عنه فرض الحج، لكن ثوابه دون ثواب المتخلي عن التجارة، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:١٩٨] قال ابن عباس: في مواسم الحج.

إذاً: لا حرج عليك في ذلك، وقد كان الصحابة يتحرجون في ذلك؛ ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا فيه، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:١٩٨] في مواسم الحج)، هكذا قرأها ابن عباس، وكأنها قراءة تفسيرية أو أن زيادة: (في مواسم الحج) قراءة شاذة.

وقد رواه أبو داود عن ابن عباس وفيه: (أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم، فنزلت الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:١٩٨]).

وروى أبو داود عن أبي أمامة التيمي قال: (كنت رجلاً أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون لي: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر رضي الله عنهما فقلت: يا أبا عبد الرحمن! إني رجل أكري في هذا الوجه -يعني: أؤجر الدواب في هذا الكراء- وإن ناساً يقولون لي: إنه ليس لك حج، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: أليس تحرم وتلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟! قال: قلت: بلى، قال: فإن لك حجاً؛ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:١٩٨] فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية، وقال: لك حج).

وفي هذه الآية تتجلى رحمة الله عز وجل بعباده؛ فإن الإنسان الذي يحج يجوز له أثناء حجه أن يتاجر مع الناس ويؤدي المناسك وحجه صحيح، ولكن الذي يذهب متفرغاً للعبادة أفضل بكثير ممن يذهب للعبادة ويشتغل بالتجارة؛ لأن الانشغال بالتجارة يجعل التاجر يقصر كثيراً في أمور العبادة، في نوافلها، وفي الفرائض التي يأتي بها، وكما نرى في مواسم الحج فهناك تقصيرات وتفريطات ممن يتاجرون في الحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>