[استحباب الجمع بين الظهر والعصر في عرفة]
فإذا فرغ الإمام من هذه الخطبة جلس جلسة قصيرة، ثم يقوم إلى الخطبة الثانية فيخففها، وهذا على القول بأنها خطبتان، وإذا كان الإمام لا يأخذ بها أصلاً فيؤذن المؤذن وينزل الإمام ويصلي بالناس.
وفي حديث جابر في حجة الوداع: (ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف)، فبعدما خطب الناس في نمرة ركب صلى الله عليه وسلم وتوجه إلى الموقف بعرفة.
والسنة إذا فرغ من الخطبتين أو الخطبة أن ينزل فيصلي بالناس الظهر ثم العصر جامعاً بينهما، فالصلاة الآن صلاة جمع بين الظهر والعصر، فيجمعهما جمع تقديم ويقصرهما، وهذا من أدلة جواز جمع التقديم.
ويسر الإمام بالقراءة؛ لأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهر، فلم يجهر في هذه الصلاة، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان بين الصلاتين بسبب النسك في هذا اليوم، وإلا فاليوم السابق لم يجمع صلى الله عليه وسلم فيه، وما يأتي من أيام بعد ذلك لم يجمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً كان الجمع في عرفة والمزدلفة بسبب النسك، حتى يكون هناك وقت طويل للدعاء ما بين صلاة الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فيكون هناك وقت طويل للمناسك والدعاء.
وهذا الجمع يجوز لكل أحد هناك سواء كان من أهل مكة أو عرفات أو المزدلفة، حتى أهل مكة فهم في عرفات سيصلون مع الإمام هذه الصلاة، ويجمعون فيها، وحتى لو كانوا ساكنين في عرفة نفسها فلهم أن يجمعوا أيضاً مع الإمام في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بنمرة، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومعهم حينئذ أهل مكة وغيرهم.
روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة، حتى أتى عرفة فنزل بنمرة، وهي منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفة، حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجراً) ووقت الهجير: قبل وقت الظهر، فذهب في الوقت الذي يشتد فيه الحر، ويطلق أيضاً على أنه ذهب مبكراً إليها، وهو وقت الهجير أيضاً، قال: (فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف على الموقف من عرفة)، فيكون بعدما انتهى من الخطبة صلى الله عليه وسلم توجه إلى عرفة فوقف فيها.
والسنة الجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر مقصورتين، وهذا جمع تقديم، ولا يلزم المأمومين نية الجمع، والأفضل أن يكون الإنسان مستحضراً ذلك، ولكن هل يجب بحيث نقول: لا تصح الصلاة إلا بهذه النية؟ هذا أمر صعب، ولو كان هذا فرضاً لبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلي ولقال: انووا الجمع، فلم يقل ذلك صلى الله عليه وسلم، وإنما صلى بهم الظهر، ثم أقام المؤذن فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فدل على أن نية الجمع ليست شرطاً لصحة الصلاة.
إذاً: لا يلزم المأمومين نية الجمع للمشقة في إعلام جميعهم؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع هناك من غير أن ينادي بالجمع، ولا أخبرهم بأن نيته واجبة، وقد كان فيهم من هو قريب العهد بالإسلام، ومن لا يعلم وجوب هذه النية، فلو فاتت إنساناً الصلاة مع الإمام لجاز له الجمع والقصر في صلاته وحده.
بمعنى: لو فرضنا أنك لم تدرك الصلاة مع الإمام هنالك، وكثير من الحجاج لا يدركون الصلاة مع الإمام، والذي لا يدرك الصلاة يصلي في المكان الذي هو فيه، فله أن يصلي جماعة، وله أن يصلي منفرداً بحسب ما يتيسر له في ذلك، وإذا صلى فيصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً أيضاً على هذه الهيئة.
مسألة: لو أنه صلى الظهر فأتم، وصلى العصر فأتم، أو صلى الظهر على وقتها والعصر على وقتها هل تصح منه؟ نعم، صلاته صحيحة، ولكنه خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن السنة أن يجمع بين الظهر والعصر، سواء تيسر له أن يصلي مع الإمام أو أنه لم يقدر على ذلك فصلى منفرداً أو في جماعة أخرى، فيصلي جمع تقديم الظهر والعصر ويقصر الصلاة.
ولو جمع بعض الناس قبل الإمام منفرداً أو في جماعة أخرى، أو صلى إحدى الصلاتين مع الإمام والأخرى منفرداً جمعاً وقصراً جاز، وكذلك القول في الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة، ففي عرفة من الممكن أن تذهب فتصلي مع الإمام، وفي مزدلفة يصعب أن تصلي مع الإمام، فبحسب ما ينزل الحجاج يصلون في المكان الذي هم فيه، فتجدهم جماعات متفرقين، فهذه المجموعة يصلون هنا، وهؤلاء يصلون هنا، فعلى ذلك صلوا المغرب والعشاء في المزدلفة، وقبل ذلك صلوا الظهر والعصر في عرفة، بحسب ما يتيسر لهم.