[الأدلة على فضل الحج من الكتاب والسنة]
جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة في فضائل الحج، وفي القرآن قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧].
وفي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله.
قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)، فأفضل العمل الإيمان، ويلي ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، ويليه الحج المبرور.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، فالذي يحج ولم يفسق ولم يرفث -والرفث معناه: الجماع أو مقدمات الجماع والكلام عن النساء والشهوات ونحو ذلك، والفسق: هو معصية الله سبحانه وتعالى- فالذي يحج ولم يقع منه رفث ولا فسوق رجع كيوم ولدته أمه.
ورواه الترمذي بلفظ: (من حج فلم يرفث ولم يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، والحج المبرور هو الذي جمع خصال البر، وهو الذي لم يعص الله سبحانه وتعالى فيه.
إذاً: حج حجاً مبروراً أي: بر في حجه ولم يعص الله سبحانه، وأيضاً: حج وأكمل حجه وأحكامه فوقع موافقاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل.
وروى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور)، ورواه النسائي بلفظ: (قلت: يا رسول الله! ألا نخرج فنجاهد معك؛ فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا، ولكن أحسن الجهاد وأفضله حج البيت حج مبرور) قوله: (لكن) بصيغة الخطاب للنساء، أي: لكن أيها النساء، أو لكن بلفظ الاستدراك، أي: يستدرك ذلك، ورواية البخاري فيها روايتان: (لكِنَّ) و (ولَكُنَّ)، وبعض أهل العلم رجحوا واحدة والبعض رجح الثانية.
والحديث رواه ابن ماجة وأحمد بلفظ: (قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد) ولاحظ لفظ (عليهن) فإنه يفيد الوجوب، قال: (عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) فإذا كان على النساء العمرة إذاً، فالرجل من باب أولى أن يكون عليه عمرة.
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)، فالله سبحانه وتعالى يباهي بعباده الملائكة، والملائكة قد قالوا قبل ذلك: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠]، فيعجب الملائكة من أنهم أساءوا الظن فيهم، فيريهم الله ويباهي الملائكة بهؤلاء الذين زعمتم أنهم يفسدون فقد جاءوا شعثاً غبراً يطلبون مغفرة الله ورضوانه سبحانه.
وروى الترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)، والمعنى: يزيلان الفقر والذنوب عن الحاج وعن المعتمر، فالله عز وجل وعده بأن يغنيه سبحانه وتعالى فيعطيه إما غنىً في قلبه فلا يحتاج إلى أحد، ويرى نفسه غنياً حتى ولو لم يكن معه مال، أو أنه يعطيه مالاً ليأخذه ويغنيه عز وجل بذلك، وهذا مشاهد معروف.
فقوله: (ينفيان) أي: يزيلان الفقر الظاهر بحصول غنى في اليد، وكذلك الفقر الباطن بحصول غنى في القلب.
(كما ينفي الكير خبث الحديد)، وهي آلة الحداد التي ينفخ فيها النار ليعدل الحديد ويصنع منه أشياء، ويزيل الخبث من الحديد ومن الفضة ومن الذهب، أي: الوسخ الذي فيها، قال: (وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة)، فالحج المبرور ليس له إلا هذا الثواب.
والمعنى: هذه الحجة ثوابها الجنة عند الله عز وجل، فلها أعظم وأفضل الجزاء الذي تتوق إليه نفس كل إنسان مؤمن.