للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسماء يكره التسمي بها]

تكره الأسماء القبيحة والأسماء التي يتطير بها، فتكره إذا كان من الناس من يسمع هذا الاسم فيتشاءم من الذي يقول له ذلك، وقد نهينا عن التشاؤم، ولكن الكثير من الناس في قلوبهم شيء من ذلك، فلا يساعدون على هذا الشيء، فالتسمية بأسماء تبعث على ذلك لا داعي لمثلها.

روى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ (لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح، فإنك تقول: أثمة، فلا يكون، فيقول: لا)، قال سمرة: إنما هن أربع فلا تزيدن عليهن، راوي الحديث يقول له: هل هناك غير هذه الأسماء؟ وكأنه يريد: هل يقاس عليها أسماء أخرى أم لا؟ فـ سمرة توقف على الحديث، والحديث ذكر أربعة فلا تزد على ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.

والظاهر: أن النهي الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم للكراهة، وليس للتحريم؛ لما سيأتي بعد قليل.

فلا تسمين غلامك يساراً، والغلام هو العبد، وكان بعض العرب في الجاهلية يسمي عبيده بالأسماء الجميلة الحسنة، وغالباً ما يسمون أبناءهم بالأسماء القبيحة، وكانوا يقولون: غلامي لي، وابني لعدوي، والمعنى: الغلام هذا ملكي يخدم عندي، فعندما أقول له: تعال يا فلان، اذهب يا فلان، سأستبشر باسمه، أما ابني فهو لعدوي، سيخرج ويقاتل ويجاهد ويحارب ويغير على القبائل الأخرى، وعندما يسألونه: ما اسمك؟ فيقول: اسمي فلان، فيفزعون من اسمه ويخافون، وكأن قصدهم من تسمية الابن بذلك الاسم أن يتشاءم الأعداء من اسمه، ويفزعون من اسمه، فكانوا يسمون أبناءهم الأسماء الغليظة، مثل العاصي، وسيأتي بعد قليل الحديث عن هذه الأسماء وما فيها، فكان أحدهم يسمي ابنه ليخيف أعداءه بهذه التسمية، ويسمي غلامه بالاسم الحسن لأنه له، فالحسن لي والقبيح لعدوي.

وقوله: (لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح)، لماذا هذه الأسماء خاصة؟ يسار من اليسر، ورباح من الربح، ونجيح من النجاح، وأفلح من الفلاح، فإنك حينما تقول: هل نجاح عندكم؟ فيقول: لا، ومثله يسار وأفلح، يتشاءم من هذا الشيء، وهذا ليس على التحريم؛ لما جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن يسمى بيعلى أو ببركة)، إذاً: الحصر الذي في حديث سمرة رضي الله عنه هو من سمرة نفسه، ولما سأله الراوي قال: لا تزيدن عليه، فأنا كما سمعت قلت لك، لكن في حديث جابر واضح أن هناك زيادة، أي: قس على هذه الأسماء، قال: (ثم رأيته سكت بعد عنها، فلم يقل شيئاً)، لكن في حديث سمرة قال: (لا تسمين)، فدل هذا على أن النهي ليس للتحريم، لقوله: (وأراد أن يعزم في ذلك)، وينهى نهي تحريم، فلم يفعل صلوات الله وسلامه عليه، وسكت عن ذلك.

وكلا الحديثين معناه صحيح، فالأول نهى صلى الله عليه وسلم فيه نهي تنزيه وكراهة، حتى لا يعتاد الناس على التشاؤم بنفي هذه الأشياء، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يعزم على ذلك ويؤكد النهي حتى يكون تحريماً، ثم لم يفعل صلوات الله وسلامه عليه رحمة بالأمة، ولعموم البلوى، ولعموم الحرج في ذلك، وليس كل الناس سيبلغهم النهي منه صلى الله عليه وسلم، ولعله يبلغهم بعد أن يسموا أبناءهم، والناس وقد اعتادوا على هذا الشيء، فيقع الجميع في الحرج، المنادي والمسمى سواء، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، وغايته أنه نهى نهي كراهة، ولذلك لما غير اسم رجل اسمه حزن، فأبى الرجل فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وتركه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى نهي تحريم ولم يفعل صلى الله عليه وسلم، فكأن النهي منه على الكراهة عليه الصلاة والسلام.

قال: (ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك)، ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولكن عمر رضي الله عنه الإنسان الواعي الكيس الفطن رأى أن صلى الله عليه وسلم سكت، فلم لا يسعه السكوت كما وسع النبي؟ فأراد أن ينهى عمر ثم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت، فسكت عمر رضي الله عنه وترك.

وروى ابن ماجة عن جابر عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن عشت -إن شاء الله- لأنهين أن يسمى رباح ونجيح وأفلح ونافع)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أجل ذلك للسنة الآتية، ثم لم يعش صلى الله عليه وسلم، ولو كان في النهي خير على وجه التحريم لأمره الله عز وجل أن يعلنه حالاً، ولكن الله عز وجل قبضه قبل أن يفعل، وهذا دليل على أن الله اختار ذلك، وأن هذا الشيء ليس حراماً وإنما يكره فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>